المحور الثاني: من الهوية العقائدية إلى المكانة الحضارية «القسم الثالث»

القسم السياسي:
حب اليمن من الإيمان
اليمن، أرض الحضارات القديمة والإيمان الراسخ، يجلس على عرش التاريخ كرمز للصمود والقوة؛ وطن شعب وصفهم القرآن الكريم بأنهم «أولو قوة وأولو بأس شديد»، وأشار إلى دورهم في قوله تعالى:
«فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا» (الإسراء: 5).
هذه الأرض المباركة مذكورة في القرآن والحديث النبوي، وحملت راية الهداية كما جاء في الحديث عن اليماني. هنا نتعمق في اليمن، نسافر إلى صنعاء، ونتناول حركة أنصار الله والسيد عبد الملك الحوثي، مستعرضين الإيمان العميق والشخصية المميزة لليمنيين، مع تسليط الضوء على الإشارات القرآنية حول قوة اليمنيين ودورهم التاريخي والمعاصر.
اليمن في القرآن الكريم: أولو قوة وأولو بأس شديد
للقرآن الكريم إشارات واضحة لليمن تبرز مكانته الروحية والتاريخية. من أبرز هذه الإشارات، آية في سورة النمل في قصة سيدنا سليمان عليه السلام وملكة سبأ:
«قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَهً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونَ * قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ» (النمل: 29-33).
تشير هذه الآيات إلى قوة أهل سبأ، أي أهل اليمن، وبروزهم في «البأس الشديد»، ما يعكس شخصيتهم القوية وقدرتهم على مواجهة التحديات. كما ورد في سورة الفيل قصة أصحاب الفيل ومحاولتهم لتدمير الكعبة:
«أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ» (الفيل: 1-5).
تؤكد هذه القصة على المكانة الروحية لليمن كأرض مرتبطة بالأحداث المحورية في التاريخ الإسلامي.
وفي سورة الإسراء: «فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا» (الإسراء: 5)، يُفسرها العلماء بأنها تشير إلى المؤمنين الذين دافعوا عن دينهم وحقوقهم، ومن بينهم أهل اليمن الذين رفعوا راية الإسلام إلى أصقاع الأرض.
اليمن في الأحاديث النبوية: الراية اليمنية من أبرز الرايات
لقد أثنى الحديث النبوي على أهل اليمن وبيّن دورهم الروحي والجهادي. قال النبي صلى الله عليه وآله: «أهل اليمن أرقّ قلوباً وأنعم أفئدة، إيمان يماني وحكمة يمانية» (رواه البخاري ومسلم)، ما يبرز الإيمان العميق وحكمة اليمنيين، ويجعل حب اليمن جزءاً من الإيمان.
كما وردت أحاديث تشير إلى دور اليمن في آخر الزمان: «إذا رأيتم الرايات السوداء من خراسان فتوكلوا عليها، فإن فيها خليفة الله المهدي، وإذا قام اليمني فاتبِعوه، فإن رايته هي أهدى الرايات» (رواه أحمد وغيرهم). وقال الإمام الباقر عليه السلام: «لا راية أهدى من الراية اليمنية… هذه الراية هداية، تدعو إلى صاحبكم. فإذا قام اليمني، فلا يجوز لمسلم أن يعصيها… ومن عصاها فهو من أهل النار».
هذه الراية تمثل الصمود والإيمان، وترتبط باليمن في مهمة عظيمة لنشر العدل والدفاع عن الحق.
صنعاء: القلب الروحي والجهادي لليمن
صنعاء، العاصمة التاريخية، مركز روحي وثقافي يعكس قوة وبأس أهل اليمن.
بمساجدها القديمة مثل الجامع الكبير وأسواقها التقليدية، تعكس صنعاء الإيمان الراسخ في نفوس سكانها. منذ تحريرها بواسطة أنصار الله في 2014، أصبحت رمزاً للمقاومة، حيث تُقام تظاهرات مليونية لدعم قضية فلسطين، وتجسّد معاصرة «فجاسوا خلال الديار» في الدفاع عن الحق والعدالة.
أنصار الله: تجسيد أولو قوة وأولو بأس شديد
حركة أنصار الله، التي نشأت في صعدة، استلهمت إيمانها من التراث الزيدي والمذهب الإمامي الاثني عشري، ومن الإشارات القرآنية والنبوية إلى قوة أهل اليمن. شعار الحركة: «الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام»، يعكس روح الجهاد والصمود التي وصفها القرآن بـ«أولو بأس شديد».
بدأت الحركة كـ«شباب مؤمن»، وتحولت إلى قوة سياسية وعسكرية تقاوم الهيمنة الخارجية، وتدافع عن القضايا الإسلامية، ولا سيما فلسطين.
تحت قيادة السيد عبد الملك الحوثي: القدرات العسكرية والروح اليمنية
تطورت الحركة تحت قيادة السيد عبد الملك الحوثي، لتشمل قدرات عسكرية مذهلة من تصنيع الصواريخ والطائرات المسيرة إلى تنفيذ عمليات دقيقة ضد أهداف إسرائيلية وسعودية. هذا الصمود يعكس الآية: «فجاسوا خلال الديار»، حيث يواصل أنصار الله الدفاع عن سيادة اليمن ودعم المستضعفين، مستلهمين إيمانهم من القرآن والأحاديث.
السيد عبد الملك الحوثي: قيادة بروح يمنية
السيد عبد الملك الحوثي، قائد أنصار الله، يمثل تجسيداً لوصف القرآن لليمنيين بـ«أولو قوة وأولو بأس شديد». خطاباته التي تركز على فلسطين ومواجهة الظلم تظهر إيمانه العميق وروحه الجهادية، ويعتبره أنصاره تجسيداً للراية اليمنية الواردة في الأحاديث، حيث يقود مقاومة ضد الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، مستمد قوته من الإيمان بالله والتمسك بالحق.
الشخصية اليمنية: الإيمان والقوة والبأس الشديد
الشخصية اليمنية، كما وصفها القرآن والأحاديث، مزيج من الإيمان العميق والقدرة الجهادية. يتميز اليمنيون بالصبر والثبات في مواجهة الحروب والحصار، ويؤمنون أن حب اليمن جزء من إيمانهم. يظهر هذا الإيمان في تظاهرات صنعاء والمقاومة التي يقودها أنصار الله، مما يجعل اليمن رمزاً للجهاد المتقي والهادي في سبيل الحق.
نعم، اليمن، أرض الإيمان والحكمة، مذكورة في القرآن كـ«أولو قوة وأولو بأس شديد»، وأشاد بها النبي صلى الله عليه وآله كمنشأ للإيمان والراية اليمنية، أهدى الرايات. صنعاء، قلب اليمن النابض، وحركة أنصار الله بقيادة السيد عبد الملك الحوثي، تجسد هذا الإرث في مقاومتها للظلم ودعم قضايا الأمة. و«فجاسوا خلال الديار» اليوم استمرار للروح الجهادية التي أثنى عليها القرآن، ويصبح قول: «حب اليمن من الإيمان» تعبيراً صادقاً عن هوية هذا الشعب المؤمن.