عوامل للبقاء في خط الرسالة

مجاهد الصريمي صنعاء :
لقد هيأ الله سبحانه وتعالى لنا في هذه المرحلة الزمنية كل العوامل التي نستطيع من خلالها أن نعود لنستظل بظلال الدين القيم، ليتحقق لنا الرشد في عقولنا، وتنطبع سائر أقوالنا وأفعالنا ومواقفنا بطابع الحكمة والنباهة والوعي، فنعيش في رحاب الله روح التقوى، ونتحرك في كل الميادين من واقع الحرص على الاستقامة في السير في طريق الله القويم، فلا يعترينا ضعف في ذروة المواجهة للقوى الظالمة المعتدية المستكبرة، ولا يطرأ علينا جمود أو تثاقل في نصرة المظلوم، والتحرك في سوح الحرية والسيادة والاستقلال، ولا نتراجع مهما عظُمت الكلفة في التضحية والبذل بكل شيء، ولا يشوبنا انحراف جراء ما تم تحقيقه على أيدينا بعون الله من قوة ونفوذ وتمكين، وما انفتح لنا من أبواب للوصول إلى سدة الحكم، ولا تسيطر علينا نزعة الكبر والغرور مهما علت مقاماتنا، أو آفة الظلم مهما اتسعت دائرة سلطاننا، أو رغبة الجنوح لاتباع هوى النفس في قراراتنا، أو غريزة الطمع فيما بات متاحًا لنا، لوعينا أن هذه الأمور ليس بعدها سوى الانقلاب على الأعقاب، الذي به ستتحول وجهتنا من السير في خط الرسالة، إلى العودة للدوران حول الذات، فيصبح كل شيء معقودًا بها، ومنصبًا على تأليهها، وقائمًا على تسخير جميع المواهب والطاقات والإمكانات لخدمتها.
لذلك فالحذرَ الحذرَ من تبدل الوجهة، واختزال النهج كقناع لتبرير الانتكاسة في أي مجال، ولنحرص على أن تبقى الخطوات مهما طال أمد سيرها في دروب التقدم والإنجاز، وتبقى الأفكار مهما انفتحت أمامها الآفاق المعبرة عن سعة وامتداد النور المتدفق من وهج صبح النصر والتمكين على حذرٍ دائم من نزوعٍ للكفر بعد الإيمان، أو ركونٍ لضلالٍ بعد هدى، أو استسلامٍ لاسترخاء هنا، ولذةِ نومٍ عميق هناك، مطبقين جفوننا على ما سبق وحققناه، دون أن نستشعر ما الذي يعنيه إغماضها في الوقت الذي يجب أن تبقى محدقةً باتجاه ما يجب أن نحققه غدًا، إذ إن الرحلة لم تنتهِ بعد، والعبرة ليست بعظمة البدايات، وإنما بخواتيمها.
إننا، بكلمة أخرى، نرجو أن يجسد كل العاملين الوعي بهذا المشروع، من خلال امتلاكهم للقدرة على جعل كل أعمالهم مهما تباعدت الأزمان بهم عن نقطة البداية مخلصةً لها، وحاملةً لروحيتها، وقائمةً على صورتها، حينها سيرى الجميع أن لا فواصل بين ضفة المنبع وآخر نقطة بلغها انصباب نهر المسيرة القرآنية. وما دام العنوان الجامع لحركتنا، وعلاقتنا بالناس هو: نداء الله {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا}، فإنه يقتضي استجابةً من كل فرد لتشكيل الجمع، وذوبانًا في المجموع لأجل الغاية، فلا مكان لفرقةٍ تحت تأثير تعدد الآراء، واختلاف المذاهب، وتنوع الاجتهادات.
أما مسألة أن الثقافة واحدة، والقيادة واحدة، والوجهة واحدة، والهدف واحد، فلا يعني ذلك من وجهة نظر مشروع المسيرة، بأي حال من الأحوال وجود حواجز تحول دون الإثراء للساحة بكل ما يعزز النمو والتقدم علمًا وأدبًا وفنًا، وصناعةً واقتصادًا وإدارةً وغيرها، وإنما يعني توظيف كل تلك المواهب والقدرات، والأفكار والخبرات المتنوعة في سياق واحد، وضمن الثقافة والمشروع الجامع، وهو حبل الله، فلا يظل هناك إقصاء أو تهميش، ولا تمايز طبقي، أو شعور بالغبن والدونية لدى المجتمع، فالكل لله، والجميع عباده، ولكلٍ دور وفق ما لديه من قدرات واستعدادات بناءً على تكليف الله له.
وعليه؛ فإن كل الذكريات التي نعيشها في واقعنا اليوم ولا سيما ذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وآله، لا تخرج عن كونها محطات لتذكيرنا بحجم الأمانة الملقاة على عاتقنا، فإذا ما أدركنا ذلك سعينا بكل ما نملك لإعادة الاعتبار للإسلام كله، والشريعة كلها، من خلال العمل في عدة مسارات، سواءً فيما يتعلق بالبناء التربوي والفكري والأخلاقي للمجتمع، أم فيما يتعلق بالنظم السياسية والقانونية وكل ما يدخل ضمن الأسس المطلوبة لبناء دولة، فرسول الله صلوات الله عليه وآله، لم يكن مجرد مرشد أو داعية، أو إمام مسجد، وإنما كان إمامًا للحياة كلها، وهاديًا للناس كلهم، ورحمةً للعالمين.
فهل نعي ذلك، حتى نحرص على معرفة ما يجب تمثله من أخلاق وشخصية رسول الله، كلٌّ بحسب موقعه ودوره ونوع المسؤولية التي كُلِّف بها؟
أدري أن ما نتطلع إليه بهذا الخصوص لا يزال بعيد المنال، ولكن؛ قطع مسافة آلاف الأميال يبدأ بخطوة، وإن الخطوة المطالبين اليوم بها هي: أن لا تبقى علاقتنا برسول الله موسمية فقط، وإنما نجعل موسم ولادته صلوات الله عليه وآله نقطة تحول في حياتنا كلها، وانفتاحًا على الزمن كله، والإنسان كله.