القسم السياسي

خطورة تفعيل آلية “سناب باك” على العلاقات الإيرانية الأوروبية وأمن المنطقة وسبل الحل البديلة

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

في أعقاب قرار بريطانيا وفرنسا وألمانيا (E3) بتفعيل آلية “سناب باك” لإعادة فرض العقوبات الأممية على إيران، بدأ عدٌّ زمني مدته ثلاثون يومًا قد يؤدي تقريبًا إلى إعادة كامل العقوبات التي أُلغيت بموجب الاتفاق النووي لعام 2015 (البرنامج الشامل المشترك – برجام). وعلى الرغم من تصريحات المسؤولين الأوروبيين بأن الهدف من هذا الإجراء هو دعم الدبلوماسية النووية مع إيران، فإن الواقع يشير إلى احتمال كبير بأن النتيجة ستكون عكسية، مهددة بالعلاقات الاقتصادية والأمنية بين إيران والدول الأوروبية. 

 

وفقًا لتقارير حديثة، أكدت E3 في خطاب مشترك إلى مجلس الأمن في 28 أغسطس 2025 أن إيران تجاوزت حدود التخصيب المسموح بها في الاتفاق النووي ، مما دفع إلى تفعيل الآلية، لكن روسيا والصين رفضتا هذا الإجراء معتبرتينه غير قانوني وغير مبرر، مع التأكيد على أن الولايات المتحدة هي من انسحبت أولاً من الاتفاق في 2018. 

 

الآثار المباشرة لتفعيل “سناب باك”: 

 

1. مطالب سياسية غير واقعية: سيطالب مجلس الأمن بوقف جميع عمليات تخصيب اليورانيوم، وهو مطلب سياسي مستحيل التنفيذ لإيران. التخصيب عنصر أساسي في البرنامج النووي الإيراني السلمي واستراتيجيته الوطنية، ولا يمكن التنازل عنه دون دفع ثمن باهظ، سواء من دماء أو موارد. الهدف الفعلي للكيان الصهيوني ليس التفاوض بل تعطيل أي دبلوماسية، وتحريك أوروبا لدعم مطالب غير واقعية يزيد من خطر المواجهة لا التفاوض. وفي هذا السياق، أفادت تقارير أن E3 طلبت من إيران إعادة التفاوض مع الولايات المتحدة لتقييد التخصيب، لكن إيران رفضت ذلك معتبرة أن الآلية تُستخدم كأداة للضغط غير المشروع. 

 

2. إعادة الحظر التسليحي:: سيعاد فرض الحظر التسليحي الذي أُلغي عام 2020، مما يحد نظريًا من قدرات إيران الدفاعية والصاروخية. عمليًا، تأثير هذه العقوبات يعتمد على موقف روسيا والصين، فهما شريكان استراتيجيان يمكن أن يواصلا دعم إيران بالأسلحة والتقنيات اللازمة، مما يقلل من تأثير الحظر الغربي. وقد أكد بيان مشترك من روسيا والصين وباكستان في 2 سبتمبر 2025 أن تفعيل “سناب باك” غير قانوني، وأن إيران لها الحق في التخصيب، مما يشير إلى استمرار الدعم الروسي والصيني لإيران رغم العقوبات. 

 

3. تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية: الاقتصاد الإيراني، الذي يعاني من سنوات من العقوبات والإدارة غير الفعالة، صمد و نجحت ايران في الالتفاف على العقوبات ولديها خيارات مواجهة عديدة ، لكن إذا تضرر الاقتصاد الإيراني أكثر، سيفاقم ذلك ضعف العملة وارتفاع الأسعار ونقص السلع، وهو ما سيؤثر على استقرار المنطقة بأسرها. 

 

تقارير حديثة تشير إلى أن إعادة العقوبات لن تؤثر بشكل كبير على صناعة النفط الإيرانية بسبب إمكانيات ايران في تصدير نفطها رغم الضغوط ، ومع ذلك إذا لم تتعاون الصين مثلا في الاستمرار بشراء النفط الايراني ، قد يعمق ذلك الأزمة الاقتصادية ويزيد من خطر الاضطرابات الداخلية بتحريك مباشر من الخارج ، حيث يُنظر إلى “سناب باك” كتهديد وجودي يٌراد لها ان تؤدي إلى اعتراضات واسعة. 

 

4. تصعيد أمني محتمل: أخطر العواقب هو أن “سناب باك” يسرع دورة التوترات ويزيد احتمالات المواجهة العسكرية. أي تغطية سياسية أوروبية لهذا الإجراء توفر للاحتلال الصهيوني ذريعة للقيام بهجمات على المنشآت النووية الإيرانية، وهو ما قد يدفع إيران إلى اتخاذ ردود مدروسة وحاسمة. وفي رد فعل محتمل، هددت إيران بالانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) إذا تم تفعيل الآلية، مما يعزز من مخاطر التصعيد الإقليمي. 

 

آتش به اختیار

 

وليس هذا وحسب ، هناك احتمال أن يتم في المقابل تفعيل آلية“آتش به اختیار” و تعني أن القوى غير الرسمية المرتبطة بإيران والمؤيدة لها في الخارج قد تتحرك بصورة مستقلة وتعمل وفق تقديرها الذاتي لمواجهة تهديدات خارجية إذا شعرت بوجود تهديد مباشر أو أي إجراء أحادي الجانب، مثل تفعيل سناب باك. هذه الردود عادة ما تكون غير منضبطة و غير متوقعة، لكنها تمثل تحذيرًا واضحًا للسياسة الأوروبية من أي خطوات استفزازية قد تضر بالعلاقات الإيرانية-الأوروبية، وتشمل إمكانية تنفيذ عمليات غير محدودة وغير محسوبة على الأراضي الأوروبية وبريطانيا، وربما تعني تصعيدًا عسكريًا شاملًا، لكنها تؤكد قدرة إيران على الرد على أي تهديد بطريقة ذكية واستراتيجية. وفي سياق التطورات الحديثة، أشارت تحليلات إلى أن مثل هذه الآلية قد تكون ردًا على الضغوط الأوروبية، خاصة مع دعم روسيا والصين لإيران ضد “سناب باك”.

 

حلول بديلة ودبلوماسية مقترحة: 

 

1. التمسك بالحوار المباشر: يجب تشجيع العودة إلى طاولة المفاوضات مع التركيز على القضايا النووية والاقتصادية، بعيدًا عن العقوبات الإضافية التي قد تؤدي إلى التصعيد. اقترحت بعض التقارير تمديد آلية “سناب باك” لستة أشهر مقابل شروط من إيران، مثل وقف التخصيب عند مستويات معينة، لإعطاء فرصة للدبلوماسية. 

 

2. إعادة الثقة عبر التزامات ملموسة: يمكن للاتحاد الأوروبي وبريطانيا تقديم حوافز اقتصادية مشروطة لتعزيز الالتزام الإيراني بالبرامج النووية السلمية، بما يعزز الشفافية ويقلل من فرص سوء التقدير العسكري. وفي هذا الإطار، يمكن الاستفادة من عرض E3 في يوليو 2025 لتمديد قرار مجلس الأمن 2231، مقابل إعادة بناء الثقة. 

 

3. تجنب الإجراءات الأحادية: التزام الأطراف الأوروبية بعدم تفعيل آلية “سناب باك” أو أي إجراء أحادي، مع العمل على ضمان التزام جميع الأطراف بالاتفاقيات القائمة، سيخفض احتمالات الرد الإيراني غير المتوقع. ويشمل ذلك رفض الضغوط {الإسرائيلية} والأمريكية للتصعيد، كما أكدت تحليلات أن تفعيل الآلية قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة دون حل. 

 

4. آليات مراقبة متعددة الأطراف: إنشاء لجان مراقبة ومتابعة مشتركة بين إيران وأوروبا والوكالة الدولية للطاقة الذرية، لضمان تطبيق الالتزامات دون تصعيد سياسي أو اقتصادي. ويمكن توسيع ذلك ليشمل روسيا والصين لضمان توازن في الرقابة، كما اقترحت روسيا مسودة قرار لتمديد المفاوضات دون تفعيل فوري للعقوبات. 

 

توصية استراتيجية: للحفاظ على مصالح أوروبا وأمنها، ولضمان استمرار العلاقات البناءة مع إيران، يُوصى بتجنب تفعيل آلية “سناب باك” والتركيز على الحلول الدبلوماسية المباشرة والآليات متعددة الأطراف، مع تعزيز الثقة والشفافية. هذا النهج يضمن استمرار التعاون الاقتصادي والسياسي بين إيران والدول الأوروبية، وخاصة بريطانيا، ويحد من مخاطر التصعيد العسكري في المنطقة ويحمي الأمن الإقليمي والدولي. ومع رفض روسيا والصين للإجراء الأوروبي، يصبح التركيز على الحوار أكثر أهمية لتجنب أزمة نووية جديدة. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى