القسم السياسي

الشرق الأوسط بين مؤامرة “الكيان الصهيوني الكبير” وصمود محور المقاومة

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

يأتي خطاب السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في لحظة حساسة من تأريخ أمتنا، ليضع النقاط على الحروف ويكشف بوضوح معالم المخطط الاستعماري الذي لم يعد خافيًا على أحد. 

 

العدو الصهيوني، مدعومًا من كبار مجرمي النظام العالمي، لا يكتفي باغتصاب فلسطين وتشريد أهلها، بل يعلن صراحة مشروعه الأخطر تحت عنوان “تغيير الشرق الأوسط” و”إسرائيل الكبرى”، وهو مشروع يتجاوز حدود الجغرافيا الفلسطينية ليطال حاضر ومستقبل المنطقة بأكملها.

 

إن ما حذّر منه السيد القائد قراءة استراتيجية لخطورة المرحلة. و إن استمرار أمتنا في حالة الضعف والانقسام، وفي واقع التبعية للغرب، يعني السير نحو الهلاك الحتمي. فالأمة التي تنفصل عن مبادئها، وتتنازل عن قضاياها المركزية، وتغفل عن عدوها الحقيقي، إنما تفتح الباب واسعًا أمام تغوّل هذا المشروع الإجرامي.

 

لقد كشفت الوثائق التأريخية، مثل خطة عوديد ينون التي نشرت في ثمانينيات القرن الماضي، عن رؤية الاحتلال الصهيوني لتقسيم الدول العربية إلى كيانات طائفية وعرقية صغيرة، ليسهل السيطرة عليها وإضعافها. هذه الخطة، التي ترى في العراق أكبر التهديدات، تروج لتفتيت دول مثل سوريا، لبنان، والأردن، مع التركيز على خلق دول مصطنعة على أساس الطوائف، كدولة علوية في ساحل سوريا، وأخرى درزية في الجنوب، وتقسيم العراق إلى مناطق كردية وشيعية وسنية. وفي الواقع، شهدنا تنفيذ أجزاء من هذا المخطط في غزو العراق عام 2003، الذي أدى إلى تفكيك الدولة وإثارة الفتن الطائفية، مما أضعف المنطقة ككل وفتح الباب لمزيد من التدخلات الاستعمارية. 

 

 كما أن الاحتلال الصهيوني للجولان السوري منذ عام 1967، والذي أصبح مؤخراً أكثر توسعاً بعد سقوط نظام بشار الأسد، يمثل مثالاً حياً على سعي الكيان للاستيلاء على أراضٍ خارج حدود فلسطين المحتلة، مما يهدد سيادة سوريا ويفتح أبواب النزاعات المستمرة. 

 

أما بالنسبة للعراق، فإن الخطر الذي يشكله هذا المشروع الصهيوني يتجاوز التصريحات النظرية ليصل إلى الواقع العملي. فقد رأى العدو الصهيوني في العراق، بثروته النفطية وقوته العسكرية السابقة، تهديداً استراتيجياً رئيسياً، كما ورد في وثائق مثل خطة ينون التي دعت صراحة إلى تفتيت العراق لإضعافه. وفي السنوات الأخيرة، شهدنا تصريحات من مسؤولين صهاينة تؤكد على “إسرائيل الكبرى” التي تمتد حدودها من النيل إلى الفرات، مما يشمل أجزاء من العراق الشمالي والشرقي. هذا الطموح الاستعماري يهدد بتقسيم العراق إلى كيانات صغيرة، مستفيداً من الفتن الطائفية والعرقية التي أشعلها الغزو الأمريكي بدعم صهيوني، مما قد يؤدي إلى فقدان السيادة الوطنية وتحويل العراق إلى ساحة للصراعات الإقليمية، مع مخاطر اقتصادية هائلة تطال الثروات النفطية والبنية التحتية.  كما أن الدعم الصهيوني المستمر للحركات الانفصالية في كردستان العراق يعزز هذا التهديد، حيث يسعى الكيان إلى خلق حلفاء محليين يخدمون مصالحه في مواجهة الدول العربية المجاورة. 

 

ولا يقتصر الخطر على العراق فحسب، بل يمتد إلى باقي دول المنطقة. 

 

في لبنان، على سبيل المثال، شهدنا غزوات صهيونية متكررة، مثل غزو عام 1982 الذي وصل إلى بيروت، واستمرار الاحتلال لجنوب لبنان حتى عام 2000، بالإضافة إلى الهجمات الجوية المستمرة على أهداف مدنية وعسكرية منذ العدوان على غزة عام 2023 ، مما يهدد بتفتيت لبنان إلى كانتونات طائفية كما ورد في الخطط الصهيونية القديمة. 

 

أما في الأردن، فإن المخططات الصهيونية ترى فيه جزءاً من “الكيان الكبير”، مع محاولات للضغط على سيادته من خلال السيطرة على الضفة الشرقية لنهر الأردن، مما يعرض الأردن لخطر التقسيم أو التبعية الاقتصادية والأمنية. 

 

وفي سوريا، ورغم حصول تغيير في النظام ، يستمر الاحتلال للجولان ومناطق أخرى، مع تصعيد الهجمات على المنشآت النووية والعسكرية، مما يهدد بانهيار الدولة السورية ككل وتحويلها إلى مناطق نفوذ صهيونية. هذه الأمثلة تؤكد أن الخطر ليس افتراضياً، بل حقيقة تأريخية وحالية، حيث أدت هذه السياسات إلى نزوح ملايين الأشخاص وتدمير اقتصادات المنطقة، كما حدث في لبنان خلال الحروب المتكررة التي أدت إلى خسائر اقتصادية تجاوزت المليارات. 

 

ومع ذلك، فإن الموقف الثابت لمحور المقاومة، وعلى رأسه الشعب اليمني الصامد، يشكل اليوم حجر عثرة أمام هذا المخطط. فاليمن الذي يقارع الغطرسة الأميركية ويواجه العدوان السعودي، لم ينسَ فلسطين يومًا، بل أعلنها قضية مركزية في عقيدته وجهاده. 

 

وكما أكد السيد عبد الملك الحوثي، فإن نصرة الشعب الفلسطيني ليست خيارًا سياسيًا أو دبلوماسيًا، وإنما هو واجب ديني وإنساني وأخلاقي. 

 

إن صمود حزب الله في لبنان، الذي أجبر الاحتلال على الانسحاب من الجنوب عام 2000، وحرب 2006 التي ألحقت خسائر فادحة بالعدو، يمثل دليلاً حياً على فعالية المقاومة في إفشال المخططات الصهيونية. كذلك، في العراق، ساهمت فصائل المقاومة في مواجهة الاحتلال الأمريكي المدعوم صهيونياً، مما أدى إلى إجباره على الانسحاب جزئياً، رغم التحديات المستمرة.

 

من هنا، فإن الدعوة التي أطلقها السيد القائد لأصحاب الضمائر الحية في العالم لوقف الإجرام الصهيوني،  نداء، وقبل كل شيء امتحان أخلاقي وإنساني لكل من يدّعي الحرية والعدالة. فالمجزرة المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، والتهديدات المتصاعدة ضد شعوب المنطقة، لا يمكن أن تُواجَه بالصمت أو التواطؤ، بل بالموقف الجاد، وبالتضحيات التي تعيد للأمة عزتها وكرامتها.

 

إن الرهان اليوم هو على وعي الشعوب، وعلى ثباتها في مواجهة هذا المشروع الاستعماري. فالتأريخ يكتب الآن، والخيار أمام الأمة واضح: 

 

إمّا أن تبقى في غيبوبة قاتلة، أو أن تنهض للمواجهة وتفشل مشروع “إسرائيل الكبرى”. واليمن، بقيادته المؤمنة، يقدّم المثال الأوضح على أن الإرادة قادرة على كسر الهيمنة، وأن الأمة إذا عادت إلى مبادئها فهي قادرة على صنع مستقبل مختلف.

 

✦ وفي الختام، يتأكد أن فلسطين ليست معزولة عن معركة المنطقة، بل هي جوهرها وروحها. وكل من ينصر فلسطين إنما ينصر الأمة كلها، وكل من يتخاذل عنها إنما يخون نفسه قبل أن يخون قضيته. لقد صدق السيد عبد الملك الحوثي إذ قال: “الخطر الرهيب على أمتنا أن تستمر في هذه الوضعية”، فإما أن نصحو الآن، أو نكتب بأيدينا شهادة هلاكنا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى