“وادي حوران: من التهديد إلى الاستقرار”

حوراء المصري:
هنا في قلب الصحراء في محافظة الأنبار يقعُ أكبر وادٍ يضمه العراق يعرف بـ وادي حوران، حيث يصل طوله إلى 350 كيلومترًا ويتفاوت عرضه بين الكيلومتر والعشرة كيلومترات، يمتلك هذا الوادي موقعًا حساسًا.
ظهرت حساسية موقعه منذ عام 2003 حتى يومنا هذا، مما جعل الجهات الأمنية العراقية تنظر له كمأوى طبيعي للإرهابيين والخارجين عن القانون. أما من الناحية السياسية فنظر له السياسيون على أنه ورقة أمنية إقليمية تتجاوز حدود الأنبار. هكذا تحول هذا الوادي من تضاريس جغرافية عادية إلى عقدة أمنية وسياسية لا تزال قائمة حتى يومنا هذا.“
وادي حوران والوضع الأمني الراهن”
منذ هزيمة تنظيم داعش 2017 في موقعه في الموصل، تراجعت حدة المواجهات العسكرية بينهم وبين القوات العراقية، إلا أن وادي حوران ظل استثناءً، فبما يمتلكه من تضاريس وعرة وقلة الطرق المعبدة جعلت عملية تطهيره صعبة، فبين الحين والآخر تنشط تنظيمات إرهابية.
إن موقعه الرابط بين الحدود العراقية والسورية والأردنية جعل عمليات التهريب تتزايد بكل أنواعها وأشكالها، فضمت تهريب المواد الغذائية والمواشي أو حتى الأسلحة. هذه الأنشطة وفرت للخلايا المسلحة مصادر تمويل، مما ضاعف التحديات أمام الأجهزة الأمنية.
القوات المنتشرة في الأنبار تواجه صعوبة في فرض سيطرتها عليه، وذلك بسبب مساحته الشاسعة وصعوبة تضاريسه، مما يجعلها تلجأ لاستخدام الطيران والمسيرات، إلا أن هذه المراقبة لا تكفي تمامًا أمام التحركات المشبوهة. فضلًا عن أن غياب السكان من الوادي عمّق الفراغ الأمني وجعل المسلحين يسرحون ويمرحون في الأراضي.
إلا أن اليوم تشير التقارير الاستخباراتية العراقية أن النشاط الإرهابي لم يعد يشكل خطرًا استراتيجيًا على بغداد. لفهم هذا الخطر يتوجب علينا دراسة البعد السياسي لوادي حوران: وهل تستخدم القوات الأجنبية هذا الوادي كذريعة للبقاء في العراق؟“.
الوادي ذريعة سياسية لإبقاء الوجود الغربي في العراق”
وادي حوران، فضلًا عن امتلاكه قوة استراتيجية نظرًا لموقعه الجغرافي، فهو أيضًا يمتلك موقعًا سياسيًا مهمًا.
وادي حوران يرتبط بمسألة أوسع تتعلق بسيادة العراق وقدرة الدولة العراقية على فرض سيطرتها على المناطق النائية. فبالنسبة للحكومة الاتحادية، فإن السيطرة على الوادي هي رسالة سياسية واضحة وصريحة بأن لا وجود لمنطقة خارج نطاق الدولة، وأن القوات الأمنية قادرة على بسط سيطرتها حتى في أكثر المناطق وعورة وخطورة.
إلا أن الأمر لا يقف عند فرض السيطرة فقط، بل إن بعض الجهات الأجنبية تأخذ الملف الأمني لوادي حوران كذريعة للبقاء في الداخل وفرض هيمنتها عليه. فضلًا عن الفصائل المسلحة الداخلية التي دائمًا ما تستخدم هذا الموقع وخطورته لتبرير وجودها غير المشروع في الوادي. هذا ما يجعل الوادي ضمن لعبة التوازنات السياسية الداخلية والخارجية.
البعد السياسي لوادي حوران لا يمكن فصله عن الواقع الإقليمي الحساس، فأي أزمة سياسية داخلية يمكن أن تفسح المجال للتدخلات الخارجية عبر الوادي، لذلك نظرت الدولة ودول الجوار إليه كموقع للتوتر الأمني الإقليمي.“
وادي حوران: بوابة للاستقرار الإقليمي”
لطالما شكل وادي حوران موقعًا بارزًا من الناحية الإقليمية، فقربه من الحدود السورية والأردنية جعله جزءًا فاعلًا في عملية التوازن الإقليمي. فأي اضطراب أمني فيه يثير قلق عمّان ودمشق على حد سواء. وتجلت هذه المخاوف في ظل وجود الإرهاب في العراق وسوريا، فضلًا عن سقوط النظام السوري بقيادة بشار الأسد، مما دفع العراق لتكثيف الوجود الأمني في الوادي خوفًا من عودة التنظيمات الإرهابية.
إن موقعه الإقليمي يفتح الباب أمام تدخلات مباشرة أو غير مباشرة، فضلًا عن وجوده في قلب الجبهة الغربية لبغداد، مما يجعله ورقة مهمة في التحالفات والعلاقات بين بغداد وجيرانها.
على الرغم من أهميته السياسية والأمنية إلا أن هذه المنطقة تغيب عنها أساسيات العيش كبُنى تحتية وغيرها، مما يجعلها نائية غير قابلة للسكن. هذا الغياب يكرس فكرة أن الوادي منطقة عسكرية معزولة بعيدة عن فرص التنمية التي يمكن أن تربط العراق بجواره العربي نظرًا لموقعه الحيوي.
في نهاية المطاف، يجدر التذكير بأن وادي حوران ليس مجرد وادٍ صحراوي في غرب العراق، بل هو خاصرة العراق والمعضلة الوحيدة التي تواجه السلطة العراقية على المستوى الأمني. فمستقبل الوادي تحدده بغداد بقدرتها على تحويله من نقطة تهديد وخطر إلى جسر أمان وتنمية يربط العراق بجيرانه. فإذا تم دمجه مع مشروع وطني إقليمي سيصبح ورقةَ قوة بيد العراق ضد التدخلات والمؤامرات الغربية والإقليمية التي تحمل مطامع داخل العراق.