ذكرى المولد النبوي الشريف… ماذا لو كان النبي بيننا؟

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
تحلّ علينا ذكرى المولد النبوي الشريف، ميلاد النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآله الطاهرين، نورٌ أضاء الكون، وبدّد ظلمات الجاهلية، وجاء رحمةً للعالمين، وقائداً للبشرية نحو العدل والحرية والكرامة. إنها مناسبة عظيمة للفرح والاحتفال، ولكنها أيضاً وقفة تأمل عميقة في رسالته الخالدة التي نرى تجسيدها اليوم في صمود غزة ومقاومتها.
ففي هذه الأيام، بينما نحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يتعرض أهلنا في غزة لعدوان صهيوني غاشم، يُذكّرنا بصراع الحق والباطل الذي خاضه النبي وآله وأصحابه من بعده. فكيف يمكننا أن نحيي هذه الذكرى ونحن نرى جرح غزة ينزف؟ وماذا لو كان النبي بيننا اليوم؟
النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: رمز النصرة للمستضعفين
النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان قائداً شاملاً، وقف مع المظلومين، وواجه الظالمين، وأسس دولة العدل والرحمة. يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (الروم: 47).
هذه الآية تؤكد وعد الله بنصر المؤمنين، وهو وعد تجسد في سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي وقف مع المستضعفين في مكة، وتحمل الأذى في سبيل إحقاق الحق. فلو كان النبي بيننا اليوم، لكان في طليعة من يدافع عن غزة، يشد على أيدي المقاومين، ويواسي الأمهات الثكالى، ويرفع صوته ضد الظلم الصهيوني.
غزة: كربلاء العصر
إن المشهد في غزة اليوم يعيد إلى الأذهان كربلاء الحسين عليه السلام، حيث وقف سبط النبي في وجه الطغيان، رافضاً الذل والخضوع. يقول الله تعالى:
{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} (القصص: 5).
هذه الآية تبشر المستضعفين بنصر الله، وهي تنطبق على أهل غزة الذين يواجهون آلة حربية مدعومة من قوى الاستكبار العالمي بصدور عارية وإيمان راسخ. في كربلاء، قُتل الأطفال عطشاً، وسُبيت النساء، وفي غزة اليوم، يُقتل الأطفال تحت القصف، ويُشرد النساء والأطفال، في تكرار لنفس المشهد الذي يجسد صراع الحق والباطل.
الحسين عليه السلام قال: “إني لم أخرج أشراً ولا بطراً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي”. وهذا هو منطق المقاومة في غزة. إنهم لا يقاتلون من أجل السلطة أو المال، بل من أجل الكرامة والحرية، ومن أجل أن يقولوا “لا” للظلم والطغيان.
أمثلة حقيقية لنصرة غزة
لنصرة غزة، هناك العديد من الأمثلة الحية التي تعكس روح المقاومة والتضامن، مستلهمة من نهج النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآله:
• المقاومة الباسلة: رجال وشباب غزة الذين يقاومون بإمكانيات بسيطة في وجه جيش مدجج بالسلاح. هؤلاء يجسدون قول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (الأنفال: 60).
• التضامن الشعبي العالمي: في العديد من الدول، خرجت مظاهرات مليونية تنديداً بالعدوان على غزة، من لندن إلى نيويورك إلى جاكرتا. هذه المظاهرات تعكس روح النصرة التي دعا إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال: “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه” (رواه مسلم).
• جهود الإغاثة: منظمات إنسانية وأفراد يجمعون التبرعات ويرسلون المساعدات لغزة، رغم الحصار. وهذا يذكرنا بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله” (رواه البخاري ومسلم).
• الصمود الإعلامي: صحفيون ونشطاء في غزة يوثقون الجرائم الصهيونية رغم المخاطر، ليصلوا بصوت الحق إلى العالم. وهذا يترجم قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 139).
ماذا يعني المولد النبوي اليوم؟
إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف احتفال بالولادة، و تجديد للعهد مع رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. إنها دعوة لقياس أنفسنا بميزان هذه الرسالة:
• هل نحن مع المظلومين؟ كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدافع عن الضعفاء في مكة، علينا أن نكون صوت غزة وأهلها.
• هل نحن مستعدون للتضحية؟ كما ضحى الحسين عليه السلام من أجل إحقاق الحق، يجب أن نكون مستعدين لدفع ثمن الوقوف مع الحق.
• هل نحن أمة تشهد للحق؟ أم أننا نكتفي بالشعارات؟ إن غزة اليوم هي المعيار الذي يختبر صدق انتمائنا لرسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
يقول الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} (الصف: 14).
هذه الآية تدعونا لأن نكون أنصار الله ورسوله، وأنصار المظلومين في غزة وكل مكان.
تجديد العهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
في ذكرى المولد النبوي، لنجدد العهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله، بأن نكون مع الحق، وأن نرفع أصواتنا وقلوبنا وأيدينا لنصرة غزة. إنها ليست مجرد قضية سياسية، بل هي قضية إيمان وكرامة. غزة اليوم هي كربلاء العصر، وهي الميدان الذي يختبر صدق انتمائنا لمحمد وآل محمد.
فلنكن كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، رحمة للعالمين، وسيفاً على الظالمين، ولنحيي ذكراه بالعمل والتضحية والوقوف مع المستضعفين. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} (الصف: 4).
فلنكن هذا البنيان المرصوص، متحدين في نصرة الحق، متمسكين برسالة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وماضين على درب الحسين في مواجهة يزيد العصر.