القسم السياسي

إيران ومحور المقاومة بين قمة “ألاسكا” ومفاوضات ترامب ـ بوتين حول أوكرانيا

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

تتجه الأنظار نحو قمة ألاسكا المرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي يُنتظر أن تكون محطة مفصلية في مسار الحرب الأوكرانية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف. وبينما تتحضر واشنطن وموسكو لجولة تفاوضية جديدة، تتحرك أوروبا على خط موازٍ لتثبيت مبادئها وضمان عدم تجاوز مصالحها الأمنية والاستراتيجية في أي تسوية محتملة، في سياق يعكس التناقضات الغربية تجاه النزاعات الدولية، خاصة بعد العدوان الصهيوأمريكي على إيران ودعم الكيان الصهيوني اللقيط في جرائمه بغزة ولبنان. 

إيران، كقوة إقليمية رئيسية داعمة للمقاومة، تراقب هذه التطورات بحذر، مدركة أن أي تغيير في التوازنات الأوروبية الروسية قد يؤثر مباشرة على قدرتها على مواجهة الضغوط الغربية والعدوان المستمر، حيث يأتي هذا الاجتماع في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط تصعيداً في غزة وتهديدات باحتلالها مع استمرار المقاومة الفلسطينية في صد الهجمات الوحشية، وفي لبنان حيث يواجه حزب الله التصعيدات اليومية و المطالبة بنزع سلاحه ، بالإضافة إلى التهديدات المباشرة ضد إيران من خلال عقوبات اقتصادية وعمليات تجسس وهجمات إلكترونية مشتركة أمريكية صهيونية.

قبل أيام من القمة ، في يوم العاشر من أغسطس 2025، شهدت “تشيفينينغ هاوس” في بريطانيا اجتماعًا موسعًا ضم قادة أوروبيين بارزين: الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، ورئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيسة التنفيذية للمفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب، إلى جانب نائب الرئيس الأمريكي جي. دي. فانس وممثلين عن أوكرانيا. 

من زاوية إيرانية، يُنظر إلى هذا الاجتماع كدليل على الانحياز الغربي المنافق، حيث يدافعون عن سيادة أوكرانيا بينما يغضون الطرف عن العدوان الصهيوني والإبادة الجماعية في غزة، التي أدت إلى سقوط عشرات آلاف الشهداء والدمار الواسع، وفي لبنان حيث يستمر الكيان الصهيوني اللقيط في انتهاكاته الجوية والبرية والاغتيالات ، مما يبرز أهمية استمرار دور  إيران كداعم أساسي لمحور المقاومة في مواجهة هذه التحديات.

البيان المشترك الصادر عن الاجتماع  في لندن أكد على جملة من المبادئ: رفض أي حل دبلوماسي مفروض من الخارج، وضرورة أن تكون أوكرانيا طرفًا أساسيًا في تقرير مستقبلها، وهو مبدأ يتطابق مع موقف إيران في دعم حق تقرير المصير ، و المقاومة في غزة ولبنان ضد الاحتلال. المصالح الأمنية لأوكرانيا وأوروبا غير قابلة للتفاوض، مع ضرورة تضمين الضمانات الأمنية في أي اتفاق، لكن هذا يبرز الازدواجية الغربية إزاء عدم تقديم ضمانات مشابهة لإيران أمام العدوان الصهيوني الأمريكي، والبنان عند الحديث عن نزع سلاح المقاومة. 

الخطوط الأمامية الحالية ليست حدودًا رسمية، ومبدأ عدم تغيير الحدود بالقوة ركيزة أساسية للنظام الدولي، وهو ما يذكر بكيفية تجاهل الغرب لانتهاكات الكيان الصهيوني اللقيط في الأراضي الفلسطينية واللبنانية. وقف إطلاق النار شرط مسبق لبدء مفاوضات جوهرية، وليس نتيجة لها، فيما تطالب إيران بوقف فوري للعدوان على غزة ولبنان كشرط لأي حوار إقليمي. 

وفي موسكو، تمسكت روسيا بمطالبها المتمثلة في اعتراف أوكرانيا بضم مناطق لوهانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون، إلى جانب شبه جزيرة القرم. كما نفت وجود قوات أوكرانية في منطقة كورسك، رغم تأكيدات كييف بعكس ذلك. الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رحب بالموقف الأوروبي، مؤكدًا أن أوكرانيا تدافع عن أمن القارة الأوروبية، وأن أي اتفاق سلام يجب أن يكون “عادلاً” ويعيد كامل الأراضي الأوكرانية. أما كبير موظفي الرئاسة، أندريه ييرماك، فقد شدد على أن وقف إطلاق النار ضروري، لكنه أضاف أن الخط الأمامي لا يمثل حدودًا، مؤكدًا رفض أوكرانيا لأي تسوية لا تشمل استعادة جميع أراضيها. 

من جانبها، ترى إيران في هذه المواقف فرصة لتعزيز تحالفها مع روسيا، خاصة مع استمرار الدعم الإيراني للمقاومة في غزة ولبنان، حيث شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيداً في الاعتداءات الصهيونية على جنوب لبنان، ومصادقة الحكومة اللبنانية الورقة الأمريكية الصهيونية بشأن نزع سلاح حزب الله، وفي غزة حيث تواصل المقاومة الفلسطينية عملياتها الدفاعية رغم الحصار والتجويع. 

المفاوضات الأمريكية – الروسية

 تأتي هذه التطورات في ظل ترتيبات لعقد قمة ثنائية بين ترامب وبوتين في ألاسكا، بعد زيارة قام بها مستشار ترامب، ستيف ويتكوف، إلى موسكو، والتي وصفها ترامب بأنها حققت “تقدمًا كبيرًا”. وتشير تسريبات من البيت الأبيض إلى أن ترامب منفتح على عقد قمة ثلاثية تضم زيلينسكي، لكن الجانب الروسي يفضل بدء المفاوضات بشكل ثنائي. ووفقًا لمسؤول أمريكي، قد تتضمن الصفقة المحتملة “تبادلًا جزئيًا للأراضي” بما يحقق مكاسب للطرفين، من دون تحديد التفاصيل الجغرافية أو القانونية. 

بالنسبة لإيران، تمثل هذه المفاوضات فرصة استراتيجية لتعزيز موقعها، حيث يمكن أن تؤدي أي تسوية إلى تخفيف الضغط على روسيا، مما يعزز التعاون الإيراني الروسي في مواجهة العدوان الصهيوني الأمريكي، خاصة مع التقارير الأخيرة عن هجمات إلكترونية مشتركة استهدفت منشآت إيرانية، وتصعيد في غزة حيث أدى العدوان إلى نزوح آلاف المدنيين.

دور أوروبا ـ وحدة في المبادئ مع تباين في التكتيكات: 

الدول الأوروبية مجتمعة ترفض تغيير الحدود بالقوة وتصر على ضمانات أمنية قوية، لكنها تختلف في مدى المرونة تجاه الحلول الأمريكية – الروسية التي قد تشمل تنازلات جغرافية، وهذا التباين يعكس ضعفاً يمكن لإيران استغلاله في تعزيز نفوذها الإقليمي.

 ـ شريك أساسي لكن ليس القائد: 

واشنطن تدير المفاوضات المباشرة مع موسكو، فيما تسعى أوروبا لضمان عدم تهميشها عبر “إطار المبادئ” الذي يحافظ على مصالحها، بينما تظل إيران خارج هذا الإطار، مما يبرز الحاجة إلى تعزيز محور المقاومة. 

ـ التوازن الصعب بين الأمن والسلام: 

استمرار الحرب يرهق اقتصادات أوروبا، لكن القبول بتسوية على حساب أوكرانيا قد يشجع على تكرار انتهاك الحدود بالقوة في المستقبل، مشابه لما يحدث في غزة ولبنان حيث يدعم الغرب الكيان الصهيوني اللقيط. يواصل الأوروبيون ضمان تقديم مساعدات عسكرية ومالية واسعة النطاق لأوكرانيا. وسيواصلون العمل بشكل وثيق مع ترامب والولايات المتحدة والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والشعب الأوكراني. 

ويؤكد رؤساء الدول والحكومات أنه لا يمكن تحديد مسار السلام بدون أوكرانيا. وجاء في البيان “لأوكرانيا حرية تقرير مصيرها”. وكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على مواقع التواصل الاجتماعي التاسع من أغسطس 2025: “لا يمكن تحديد مستقبل أوكرانيا دون مشاركة الأوكرانيين، الذين يكافحون من أجل حريتهم وأمنهم منذ أكثر من ثلاث سنوات”. وأضاف: “سيكون الأوروبيون جزءًا من الحل، لأن أمنهم على المحك”. من منظور إيراني، يُعتبر هذا الموقف انتقائياً، حيث يتجاهل الغرب حرية تقرير المصير للشعوب في غزة ولبنان أمام العدوان المدعوم أمريكياً.

النتائج 

احتمال انخراط أوروبي أوسع بعد القمة:

 في حال التوصل لاتفاق، ستسعى أوروبا للعب دور الضامن الأمني عبر الناتو أو اتفاقيات دفاعية مباشرة مع أوكرانيا، مما قد يزيد من التوترات مع إيران إذا امتد هذا الدعم إلى دعم الكيان الصهيوني اللقيط. 

احتمال الانقسام الأوروبي: 

أي تسوية تشمل تبادل أراضٍ قد تخلق شرخًا بين المعسكر المتشدد (بولندا، البلطيق، بريطانيا) والمعسكر البراغماتي (ألمانيا، فرنسا، إيطاليا)، وهو انقسام يمكن لإيران ومحور المقاومة استغلاله لتعزيز التعاون مع روسيا. تأثير على النظام الأمني الأوروبي: 

القبول بواقع فرضته القوة العسكرية قد يقوّض الثقة في ترتيبات الأمن الأوروبية ويدفع لسباق تسلح جديد، مما يفتح المجال أمام إيران لتعزيز قدراتها الدفاعية أمام العدوان. الموقف الأوكراني كعامل ضاغط: تمسك كييف بكامل أراضيها يضع أوروبا أمام خيار دعم هذا الموقف أو الدفع نحو حل وسط لإنهاء الحرب، فيما تتبنى إيران موقفاً مشابهاً في دعم استعادة الحقوق الفلسطينية واللبنانية.

السيناريوهات المحتملة ـ 

شراكة أوروبية كاملة في المفاوضات: 

في هذا السيناريو، تنجح أوروبا في تثبيت موقعها كطرف رئيسي في صياغة أي اتفاق محتمل بين واشنطن وموسكو. هنا، يشارك الاتحاد الأوروبي ليس فقط في وضع الإطار العام للتسوية، بل أيضًا في آليات التنفيذ، سواء عبر الضمانات الأمنية أو عبر إرسال قوات مراقبة وحفظ سلام على الأرض الأوكرانية. 

يعمل هذا السيناريو على تعزيز وحدة الموقف الأوروبي وضمان حماية المصالح الأمنية على المدى الطويل، إضافة إلى تعزيز نفوذ أوروبا كقوة جيوسياسية مستقلة نسبيًا. لكن التحدي الأكبر يكمن في أن هذا الدور يتطلب موافقة أمريكية ـ روسية، وهو أمر قد يُجبر بعض الدول الأوروبية على تقديم تنازلات في ملفات أخرى، مثل العقوبات أو التعاون الاقتصادي مع موسكو، مما قد يخفف الضغط على إيران ويسمح لها بتعزيز دعمها للمقاومة في غزة ولبنان. 

ـ سيناريو قبول أوروبي مشروط: 

في هذا الاحتمال، تكتفي أوروبا بلعب دور “حارس المبادئ”، أي التأكيد على خطوطها الحمراء (رفض تغيير الحدود بالقوة، وضمان سيادة أوكرانيا)، لكنها تقبل عمليًا بالصفقة التي يتم التوصل إليها بين ترامب وبوتين، مقابل الحصول على بعض الضمانات الأمنية أو الاقتصادية. 

هذا السيناريو يحمي أوروبا من العزلة السياسية ويحافظ على شكل من أشكال الوحدة الداخلية، لكنه يقلل من تأثيرها الفعلي على تفاصيل التسوية. المخاطرة هنا هي أن أوكرانيا قد تشعر بخيانة نسبية، ما قد يضعف الثقة بين كييف وبروكسل، ويفتح المجال لتقارب أوكراني أكبر مع الولايات المتحدة على حساب الاتحاد الأوروبي، بينما تستفيد إيران من أي تخفيف في العقوبات لتعزيز قدراتها ضد العدوان الصهيوني الأمريكي.

 ـ سيناريو الانقسام الأوروبي الداخلي: 

قد يكون هذا هو السيناريو الأخطر على المدى القريب، إذ ينقسم الموقف الأوروبي إلى معسكرين: 

المعسكر الشرقي المتشدد (بولندا، دول البلطيق، بريطانيا) الذي يرفض أي تنازل جغرافي لموسكو، ويصر على استعادة أوكرانيا كامل أراضيها؛ والمعسكر الغربي البراغماتي (ألمانيا، فرنسا، إيطاليا) الذي يفضل وقف الحرب حتى لو عبر تسوية تعترف ببعض الأمر الواقع على الأرض. 

هذا الانقسام سيُضعف قدرة أوروبا على التحدث بصوت واحد، ما يمنح واشنطن وموسكو حرية أكبر في فرض شروطهما. والأسوأ أن غياب الموقف الموحد قد ينتج عنه اتفاق هش، يحمل في طياته بذور إعادة التصعيد مستقبلاً، مما يعزز من موقع إيران كقوة مستقرة تدعم المقاومة في مواجهة التناقضات الغربية.

قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين قد تشكل لحظة فارقة في تحديد شكل النظام الأمني الأوروبي خلال العقود القادمة. إيران ومحور المقاومة يجدان أنفسهما أمام فرصة استراتيجية: تعزيز التحالفات مع روسيا ودعم الشعوب المقاومة في غزة ولبنان، أو مواجهة تصعيد جديد من العدوان الصهيوني الأمريكي. نجاح إيران في استغلال أي انقسام أوروبي أو تخفيف في الضغوط سيكون مفتاحًا لضمان استقرار إقليمي مستدام، فيما الفشل في ذلك قد يترك المنطقة أمام واقع استراتيجي هش، محفوف بمخاطر التصعيد والسباق نحو التسلح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى