المحور الثالث: الحرب الإعلامية والنفسية (الجزء السادس)

القسم السياسي:
ج. الدفاع الناجح لإيران في مواجهة الهجمات السيبرانية
شكّل الدفاع السيبراني الإيراني خلال العدوان في يونيو 2025 إحدى أبرز نقاط القوة في الرد الإيراني. فقد تمكنت إيران، من خلال استخدام البنية التحتية الدفاعية المتطورة مثل أنظمة كشف التسلل (IDS) والجدران النارية المحلية، من صد أكثر من 70% من الهجمات السيبرانية التي شنها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.
لعب مركز الدفاع السيبراني في الحرس الثوري دورًا محوريًا في هذا النجاح، من خلال التنسيق بين الفرق السيبرانية العسكرية والمدنية للكشف عن التهديدات وإحباطها في الوقت الفعلي. فعلى سبيل المثال، تم التصدي لهجوم سيبراني استهدف منشأة نطنز النووية باستخدام برمجية خبيثة جديدة، بفضل تحديث الأنظمة مسبقًا ونقل البيانات الحساسة إلى خوادم آمنة.
كما اعتمدت إيران على استراتيجية «الدفاع النشط» التي تشمل المراقبة المستمرة للشبكات والاستجابة السريعة للهجمات، مما مكّنها من اكتشاف الهجمات في مراحلها الأولى ومنع انتشارها. على سبيل المثال، تم احتواء هجوم سيبراني على شبكة الاتصالات لشركة “إيرانسل” خلال أقل من ساعتين، وهو ما يعكس سرعة وكفاءة الفرق الإيرانية. بالإضافة إلى ذلك، عززت إيران قدرتها على التنبؤ بالهجمات وإحباطها عبر استخدام الذكاء الاصطناعي وخوارزميات التعلم الآلي، الأمر الذي ساعدها على التعرف على أنماط الهجمات السيبرانية للعدو وتصميم ردود استباقية.
ومن عوامل النجاح الأخرى، التدريب الواسع للمتخصصين السيبرانيين. فبحسب تقارير وزارة الاتصالات الإيرانية، تم تدريب أكثر من 10 آلاف خبير سيبراني في السنوات الأخيرة، شارك العديد منهم في الخطوط الأمامية للدفاع السيبراني خلال عدوان يونيو 2025. هذا الاستثمار في الموارد البشرية، إلى جانب تطوير البنية التحتية المحلية، جعل من إيران إحدى القوى السيبرانية البارزة في المنطقة.
د. إرباك أنظمة العدو وتأثيراته
لم تقتصر الهجمات السيبرانية الإيرانية على صد التهديدات، بل أحدثت أيضًا اضطرابات ملحوظة في أنظمة الكيان الصهيوني. فقد أدى تعطيل شبكاته الاتصالية والرادارية إلى تقليص قدرته على التنسيق بين الوحدات العسكرية بشكل كبير. على سبيل المثال، تسببت انقطاعات الإنترنت في يافا المحتلة وحيفا في إبطاء استجابة الكيان لهجمات الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية، مما ساهم في نجاح عملية «الوعد الصادق 3». ووفقًا للتقارير الإعلامية، أجبر هذا التعطيل الكيان على اللجوء إلى قنوات اتصالات بديلة، مثل الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، مما رفع من تكاليفه التشغيلية.
كما أن الهجوم السيبراني على شبكة الكهرباء في حيفا، والذي استمر لأكثر من 12 ساعة، ترك آثارًا اقتصادية ونفسية عميقة على الكيان. فقد شل هذا الهجوم الصناعات المحلية، وأثار حالة من الذعر بين المستوطنين أدت إلى نزوح مؤقت لحوالي 25% من سكان المناطق المستهدفة. إضافة إلى ذلك، أتاح التسلل إلى أنظمة الرادار، مثل منظومة «القبة الحديدية»، إرسال إشارات وهمية خفّضت من دقة هذه المنظومات، ما سمح للصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية بإصابة أهدافها بنجاح أكبر.
وكان لهذه الاضطرابات أيضًا أبعاد سياسية، حيث واجه الكيان الصهيوني انتقادات داخلية بسبب فشله في حماية بنيته التحتية. وأظهرت تقارير نُشرت على منصة X استياء المستوطنين من ضعف أداء المنظومات الدفاعية، خاصة في مواجهة الهجمات السيبرانية الإيرانية، مما زاد من الضغط السياسي على قيادة الكيان، وأكد نجاح إيران في توظيف الحرب السيبرانية كأداة لإضعاف العدو.
في الختام، أظهرت المعركة السيبرانية خلال العدوان الصهيوني-الأمريكي على إيران في يونيو 2025 أنها كانت من أهم أبعاد الحرب الإعلامية والنفسية. فبالرغم من محاولات الكيان الصهيوني والولايات المتحدة تنفيذ هجمات سيبرانية واسعة لتعطيل القدرات العسكرية والاتصالية الإيرانية، نجحت إيران، بفضل أنظمتها الدفاعية المتطورة واستراتيجياتها النشطة، في صد أكثر من 70% من هذه الهجمات.
وفي المقابل، ألحقت الهجمات السيبرانية الإيرانية أضرارًا كبيرة بأنظمة الاتصالات والرادار والبنى التحتية المدنية للكيان، مما قلل من قدرته على التنسيق العسكري. وقد عززت هذه النجاحات، الناتجة عن الاستثمار في التكنولوجيا المحلية وتدريب المتخصصين، مكانة إيران كقوة سيبرانية إقليمية، وأثبتت أن القدرات السيبرانية باتت في الحروب الحديثة توازي في أهميتها الأسلحة التقليدية، وأن الأداء الإيراني في هذا المجال أوجد معادلة جديدة في الصراعات الإقليمية.