القسم السياسي

استراتيجية الغموض النووي لإيران في مواجهة التجسس والاعتداء

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

في واحدة من أكثر المحطات التاريخية حساسية، واجهت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تهديداً متعدد الأبعاد على الصعيدين العسكري والاستخباراتي؛ تهديد استهدف ليس فقط البُنى التحتية النووية للبلاد، بل اخترق عمق هيكل الأمن القومي أيضاً. في مواجهة هذه الظروف، قررت طهران الدخول في مرحلة جديدة من المواجهة الاستراتيجية؛ ليس بالصراخ ولا بالصمت، بل بسلاح يُسمى «الغموض النووي».

ما هي هذه الاستراتيجية؟ ولماذا يُعد الدخول في مرحلتها الأولى حيوياً لإيران؟ وكيف يمكن تحويل الغموض إلى سلاح رادع يفوق أحياناً كفاءة القنبلة النووية نفسها؟


الدخول في المرحلة الأولى: قرار دقيق ومحسوب

توقيف التعاون الرسمي لإيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد يُرى عند البعض كرد فعل انفعالي، لكن للمراقبين العميقين، يمثل هذا القرار بداية المرحلة الأولى من استراتيجية الغموض النووي. وهي مرحلة لا تقوم على الإخفاء التام للبرنامج النووي، بل على السيطرة الذكية على المعلومات والبيانات.

في هذا الإطار، لم تعلن إيران حتى الآن عن حجم الأضرار التي لحقت بمنشآتها، ولم تكشف عن مواقع بديلة للبُنى التحتية، ولم تقدم معلومات فنية للآخرين. العدو يبقى في دائرة التخمين، وهذا بالذات هو ما يجب أن يستمر: الغموض، الشك، والخوف.


شك العدو، قوة إيران

حين لا يعرف العدو أي جزء من قدرات إيران قد دُمر وأي جزء تم تعويضه؛ وحين يجهل مكان المنشآت الجديدة ولا يستطيع تقييم جاهزية إيران، يتولد لديه حالة من الارتباك. هذا الارتباك يشكل بحد ذاته ردعاً.

تخيل لو أعلنت إيران أن المنشأة «س» قد دُمرت وأن استعادتها ستستغرق شهوراً، حينها كان العدو سيشعر بالنصر ويُجرؤ على تنفيذ خططه بشكل أكثر جرأة. لكن الآن، حين لا يعرف المحللون ماذا تبقى وماذا نُقل، يصبح قرار شن هجوم جديد أصعب وأكثر تكلفة.

في هذه اللعبة، الغموض يعني القوة.


الشفافية؟ ليست دائماً فضيلة

في أجواء دبلوماسية مثالية، قد تؤدي الشفافية إلى بناء الثقة، لكن عندما تتحول كاميرات الوكالة إلى أدوات تجسس للعدو، وتؤدي المعلومات التي تقدمها إيران مباشرة إلى اغتيال علماء البلاد، تصبح الشفافية ليست قيمة بل انتحاراً معلوماتياً.

لذلك، كان توقيف التعاون مع الوكالة إجراءً وقائياً؛ ليس ضد المفتشين، بل ضد أجهزة الاستخبارات التي تستغل هذه الزيارات للوصول إلى المعلومات.


التخصيب وحده لا يكفي؛ القرار الاستراتيجي ضروري

مع ذلك، يجب أن نكون صادقين: الغموض النووي بدون إرادة سياسية وقرار على أعلى المستويات لا يخلق ردعاً حقيقياً. إذا استمرت إيران في التخصيب فقط دون التوجه نحو تصنيع سلاح نووي أو حتى إثارة شكوك العدو بوجود نية لذلك، فستظل عرضة للتهديد.

الغموض يكون رادعاً فقط عندما يعتقد العدو أن إيران قد وصلت إلى نقطة العتبة أو ربما قررت بصمت تجاوزها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى