غزة تحت النار… وإيران في مركز العاصفة: عندما يُسقط القناع عن وجه المشروع الصهيوني للإبادة

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
في الوقت الذي تواصل فيه آلة القتل الصهيونية ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وخصوصًا منذ 7 أكتوبر 2023، تكشف الوقائع عن مستوى الوحشية لدى هذا النظام؛ ليس فقط باستهداف المدنيين، بل بتحويل غزة إلى ميدان اختبار عسكري، ومكان لتفريغ الغضب والكراهية، ومختبر للأسلحة والتقنيات الأجنبية.
هذا الاعتداء هو عملية إبادة منظمة تهدف إلى محو الهوية الفلسطينية وقمع كل أمل في المقاومة، بالاعتماد على الدعم الغربي غير المشروط واستخدام التكنولوجيا المتقدمة لترسيخ الهيمنة. من وجهة نظر الاحتلال، غزة ليست “الأرض الموعودة”، بل مختبرًا للأسلحة الحديثة وقياس حدود التحمل البشري، ونموذجًا لتصدير القمع إلى شعوب أخرى.
وفقًا لتقارير الصحافة العبرية، تجاوز عدد شهداء غزة حاجز 100 ألف قتيل، سواءً نتيجة القصف المباشر أو بسبب الكوارث الإنسانية الناجمة عن الحصار الشديد، والجوع، وانتشار الأمراض نتيجة انهيار البنية التحتية الصحية.
هذه ليست حربًا تقليدية؛ فإسرائيل لا تحارب جيشًا نظاميًا، بل تنفذ إبادة شاملة تستهدف الأطفال والنساء والمسنين، وتدمر المستشفيات والمدارس والمساجد. وهذه الجرائم، التي وثقتها تقارير دولية، تبرز عمق وحشية المشروع الصهيوني؛ حيث يُستهدف المدنيون عمداً بذريعة الدفاع عن النفس، مما يتجاوز كل القوانين الدولية ويكشف عن أزمة أخلاقية عميقة في هذا النظام وقياداته.
في واحدة من أبشع الجرائم العلنية، استشهد الدكتور مروان سلطان، مدير مستشفى إندونيسي شمال غزة، مع زوجته وأطفاله الخمسة في هجوم مباشر على منزله. هذه الاستهدافات المتعمدة تكشف كذب ادعاءات الاحتلال حول دقة الضربات وتجنب استهداف المدنيين.
الدكتور مروان لم يكن هدفًا عسكريًا، بل رمزًا للصمود الإنساني في وجه الوحشية، وهذه الجريمة ليست استثناء، بل جزء من نمط منهجي يستهدف القيادات المدنية والطبية لكسر إرادة الشعب الفلسطيني.
وأكدت تقارير الأمم المتحدة استشهاد أكثر من 300 من العاملين في القطاع الصحي منذ بداية العدوان، ما يدل على استهداف متعمد للبنية التحتية الحيوية في غزة.
والأكثر صدمة، تقارير إعلامية عبرية كشفت أن طياري سلاح الجو الإسرائيلي المشاركين في هجمات ضد إيران كانوا يلقون ذخيرة زائدة على المدنيين في غزة أثناء العودة، بأوامر مباشرة من قائد القوات الجوية.
هذا السلوك، الذي وصفته وسائل الإعلام العبرية بأنه “عرف قتالي”، دليل واضح على الطابع الإجرامي للمؤسسة العسكرية الصهيونية. هذا الفعل ليس خطأ أو إهمالًا، بل جريمة حرب مدونة تظهر تجاهلًا تامًا لحياة المدنيين، وتؤكد أن غزة أصبحت ساحة لتفريغ الذخيرة المتبقية من عمليات أخرى، مما يعكس عقلية منحرفة تراهم مجرد أرقام في لعبة الحرب.
الحرب العدوانية ضد إيران لم تكن منفصلة عن جبهة غزة، فغزة دفعت ثمنًا دمويًا ودمارًا إضافيًا جراء هذا العدوان.
الرسالة واضحة: إما استسلام كامل أو تدمير مطلق، سواء في إيران أو في غزة.
العدوان على إيران، الذي استهدف منشآتها النووية وعلماءها وقادتها العسكريين، لم يحقق أهدافه، بل عزز وحدة محور المقاومة.
غزة، الهدف الثانوي لهذا العدوان، شهدت تكثيف الهجمات الجوية، حيث دُمرت أحياء سكنية بأكملها، ومُحيت آلاف المنازل، وازداد معاناة اللاجئين.
هذا الارتباط بين الجبهتين يعكس استراتيجية صهيونية تهدف للسيطرة على المنطقة عبر العنف الشامل.
في الوقت ذاته، بعض الأنظمة العربية الخائنة تمارس ابتزازًا سياسيًا، فالسعودية، على سبيل المثال، وضعت إنهاء حكم حماس في غزة واستبداله بالسلطة الفلسطينية شرطًا لبدء مفاوضات التطبيع.
هذه الشروط تكشف جوهر المؤامرة: القضاء على المقاومة، إنهاء الهوية السياسية الفلسطينية، وتسليم غزة على طبق من دماء.
تُظهر هذه السياسات التواطؤ الواضح لبعض الأنظمة مع المشروع الصهيوني، حيث تُضحى حقوق الشعب الفلسطيني بالمصالح الضيقة.
لكن الرفض الشعبي الواسع في العالمين العربي والإسلامي يثبت أن فلسطين ما تزال محور الهوية القومية والإسلامية.
على الجانب الآخر، لا تقتصر دعم الشركات الكبرى الغربية على الدعم غير المباشر للاحتلال، بل هي شريك حقيقي في الجرائم.
تقرير صادم للأمم المتحدة اتهم شركات مثل أمازون، جوجل، مايكروسوفت وبلانتيير بتوفير البنية التحتية السحابية والذكاء الاصطناعي للآلة العسكرية الصهيونية.
هذا التحالف بين التكنولوجيا والإبادة يفتح مرحلة جديدة من الحروب المؤتمتة، حيث يتحول الضحية إلى “هدف رقمي” على شاشات الذكاء الاصطناعي.
هذه الشركات، التي تقدم نفسها كرواد التقدم، أصبحت جزءًا من آلة قتل المدنيين ويجب محاكمتها قانونيًا وأخلاقيًا فورًا.
دعوة فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة، لملاحقة هذه الشركات قانونيًا ليست كافية لكنها خطوة ضرورية لكسر الحصانة الأخلاقية الزائفة.
هذه الشركات، التي تحقق أرباحًا بمليارات الدولارات من العقود العسكرية، تتحمل مسؤولية مباشرة عن الجرائم التي تنفذ باستخدام تقنياتها.
الدعم الغربي للاحتلال لم يعد مجرد دعم عسكري، بل تحالف استراتيجي يهدف لترسيخ الهيمنة الغربية على المنطقة عبر دعم مشروع الإبادة.
هذه الشراكة تكشف ازدواجية المعايير الغربية في حقوق الإنسان بشكل واضح.
في المقابل، المقاومة لم تبقَ مكتوفة الأيدي، فقد نجحت كتائب حماس في كسر تكتيكات الجيش الاحتلالي وإلحاق خسائر مباشرة بثقله المدرع.
القدرة على التكيف والاستمرار في القتال وسط الكارثة تثبت أن روح المقاومة لا تزال متقدة.
المقاومة طورت تكتيكاتها واستخدمت حرب العصابات لإرباك جيش العدو.
غزة، رغم الحصار والدمار، ما تزال واقفة بثبات.
هذا الصمود ليس مجرد مقاومة عسكرية، بل تجسيد لإرادة شعب لا يستسلم.
في الوقت ذاته، تقارير عبرية تشير إلى أزمة اقتصادية حادة داخل الاحتلال.
تقارير وزارة العمل الصهيونية تتحدث عن تغييرات هيكلية خطيرة تهدد اقتصادها لعقود.
تكاليف الحرب التي تجاوزت عشرات مليارات الشواكل، إلى جانب نزوح آلاف الصهاينة وتدمير البنى التحتية، تؤدي إلى انهيار تدريجي للاقتصاد.
هذه الأزمة تكشف هشاشة المشروع الصهيوني، الذي يعيش فقط بالعنف والدعم الخارجي، واستمرار العدوان سيؤدي إلى انهيار داخلي لا محالة.
في الوقت نفسه، ترامب الذي يسعى حاليًا إلى اتفاق تهدئة، لا يريد السلام، بل يحاول الحفاظ على مشروع حزبه الانتخابي واحتواء الغضب المتزايد داخليًا تجاه تمويل القتل في غزة.
هذا الغضب، المتصاعد بين الشباب والأقليات الأمريكية، يشكل تهديدًا خطيرًا لاستمرار الدعم غير المشروط للاحتلال، ويشير إلى تحولات في الرأي العام قد تؤثر على مستقبل العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية.
في الخلفية، تستمر أنشطة الاستخبارات الصهيونية عبر التسلل بوسائل “إنسانية”، وتهريب المخدرات، وأدوات التجسس.
هذه المحاولات، مثل زرع أجهزة تجسس في شحنات الإغاثة، تعكس هزيمة الاحتلال في الميدان، فالمهزومون يلجأون إلى أساليب دنيئة لكسر الجبهة الداخلية.
لكن صمود أهل غزة أفشل هذه المخططات وعزز تماسك المجتمع الفلسطيني.
على صعيد آخر، تجاوز دعم المشروع الصهيوني إلى إقامة تحالف واضح مع الجماعات الانفصالية الكردية في العراق، من خلال لقاءات ودعم لوجستي لتفجير الساحة الداخلية الإيرانية.
هذه المؤامرة الفاشلة، التي تجمع بين الاعتداء الخارجي والتخريب الداخلي، تظهر يأس العدو في المواجهة المباشرة مع إيران.
الاحتلال لجأ إلى الحروب بالوكالة، لكنها فشلت، إذ أثبتت إيران قدرتها على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية مرارًا.
رغم ذلك، الجمهورية الإسلامية تقف صامدة وأقوى من أي وقت مضى.
قادة الحرس الثوري أعلنوا أنهم استخدموا حتى الآن فقط 30% من القدرات الدفاعية.
والرسالة واضحة: إذا تجاوز العدو الخطوط الحمراء، سيكون الرد مدمرًا.
إيران بثباتها وجهت رسالة واضحة للاحتلال وحلفائه: إرادة شعب يقاتل من أجل سيادته لا تُهزم.
هذا الصمود، بدعم محور المقاومة، شكل جبهة موحدة وقوية ضد المشروع الصهيوني.
لذلك، على الشعوب المسلمة وكل أحرار العالم أن يدركوا أن ما يجري ليس مجرد نزاع على حدود، بل معركة وجود، سيادة، كرامة وهوية.
المقاومة في غزة، الصمود في إيران، الشجاعة في اليمن، لبنان والعراق، كلها مكونات معادلة جديدة عنوانها:
لا بقاء لمشروع الإبادة، ولا أمان لمن يراهن على قمع الشعوب.