الوهم بالتفوق الصهيوني… وكشف المشروع تحت نيران الحقيقة

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
في أعقاب الهجوم الصهيوني الأخير على إيران في يونيو 2025، يواصل الكيان الصهيوني ترويج رواية النصر الزائف، مدعياً أنه أصبح القوة المهيمنة في الشرق الأوسط وواحداً من أقوى القوى عالمياً. تصريحات بيتساليل سموتريتش، وزير المالية الصهيوني، عززت هذه الرواية؛ حيث أكد أن العمليات العسكرية الواسعة خلال العشرين شهراً الماضية، كان آخرها الهجوم على إيران، قد قوّضت مكانة هذا الكيان كقوة لا مثيل لها.
لكن الوقائع الميدانية تكشف كذب هذه الادعاءات، وتبيّن أن الكيان يواجه أزمة وجودية عميقة تفاقمت بعد هذا الهجوم الأخير، وأن أوهام التفوق التي كان يغذيها منذ زمن تتداعى تحت ضغط المقاومة المتصاعدة والعزلة الدولية المتزايدة.
على الرغم من فشل الهجوم على إيران، وتعزيز المقاومة بدلاً من إضعاف ما يُسمى «تهديد إيران»، فقد أدى الهجوم الصهيوني في يونيو 2025 إلى تقوية الموقع الإقليمي والداخلي للجمهورية الإسلامية. استهدف الكيان منشآت نووية مثل نطنز، فردو، وأصفهان، واستشهد عدداً من القادة العسكريين والعلماء النوويين، لكنه لم يتمكن من شل قدرات إيران. أظهرت إيران مرونة كبيرة في الرد، حيث أطلقت أكثر من 500 صاروخ باليستي خلال اشتباك مباشر دام 12 يوماً، ما أسفر عن مقتل المئات من الضباط والقادة الأمنيين وإصابة آلاف، وفق تقارير إعلامية بالرغم من محاولات الكيان لإخفاء التفاصيل.
علاوة على ذلك، أسفر الهجوم عن تعزيز الوحدة الداخلية في إيران، حيث توحد المواطنون خلف قيادتهم في مواجهة العدوان الخارجي. وفي مواجهة ادعاءات سموتريتش بتحقيق «نصر حاسم»، أكدت تقارير دولية أن الأضرار التي لحقت بالبرنامج النووي الإيراني كانت محدودة، ولم تتضرر منشأة فردو بشكل كبير، بينما استمرت إيران في إطلاق صواريخ متقدمة رغم مزاعم الكيان بتدمير نصف إلى ثلث منصات الإطلاق.
في الوقت ذاته، ساهم هذا الصراع في توطيد محور المقاومة، حيث واصل مقاتلو المقاومة في لبنان واليمن والعراق دعم إيران. هددت فصائل عراقية باستهداف القواعد الأمريكية إذا دخلت الولايات المتحدة الحرب، ما يعكس تنسيقاً استراتيجياً متزايداً. كما أجبرت عمليات حزب الله ضد المواقع العسكرية الصهيونية في الجليل أكثر من 60,000 مستوطن على النزوح، وكشفت عن عجز الكيان عن استعادة الأمن.
الفشل السياسي والعزلة الدولية
سياسياً، يواجه الكيان عزلة غير مسبوقة تفاقمت بعد هجومه على إيران. ادعى سموتريتش قدرة الكيان على إبرام اتفاقيات سلام مع الدول العربية، لكنه أكد رفض تقديم أي تنازلات، وطلب من دول مثل السعودية دفع ثمن مادي لتطبيع العلاقات، متجاهلاً حقوق الشعب الفلسطيني ومصرّاً على إلغاء القضية الفلسطينية بذريعة رفض «الدولة الإرهابية الفلسطينية».
هذا التوجه التسلطي أثار غضباً واسعاً في المنطقة، حيث وصفت دول مثل الإمارات تصريحات سموتريتش بأنها «انهيار أخلاقي».
دولياً، حتى بين حلفائه التقليديين، يعاني الكيان من عزلة متزايدة. فرضت دول مثل بريطانيا، كندا، أستراليا، نيوزيلندا، والنرويج في يونيو 2025 عقوبات على سموتريتش ووزير الأمن إيتامار بن غفير بتهمة التحريض على العنف ضد الفلسطينيين، ما أثار ردود فعل غاضبة دفعت الكيان إلى إجراءات انتقامية ضد الاقتصاد الفلسطيني.
كما أصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، ويوآف جالانت، وزير الدفاع السابق، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، ما عزز مكانة الكيان كـ«دولة مارقة» في المجتمع الدولي.
الشرخ في الدعم الأمريكي
يعتمد الكيان بشكل شبه كامل على الدعم الأمريكي، سواء من خلال التمويل العسكري السنوي الذي يتجاوز 3.8 مليار دولار أو الحماية الدبلوماسية في مجلس الأمن. خلال الهجوم الأخير على إيران، قدمت إدارة ترامب دعماً مباشراً شمل استهداف المنشآت النووية وتعزيز الترسانة العسكرية الصهيونية. إلا أن هذا الدعم يواجه تحديات داخلية في الولايات المتحدة.
أظهرت استطلاعات مؤسسة غالوب في أبريل 2025 أن 53% من الأمريكيين لديهم نظرة سلبية تجاه الكيان، وهو رقم غير مسبوق، خاصة بين من هم دون سن الخمسين، حيث يعارض أكثر من نصفهم استمرار الدعم العسكري.
ولا تقتصر هذه التغيرات على جهة سياسية واحدة؛ فقد أيد مرشح ديمقراطي لبلدية نيويورك، زهران ممداني، انتقادات حادة للكيان، فيما عبّر إعلاميون محافظون مثل تاكر كارلسون وستيف بنن عن انتقاداتهم للدعم الأمريكي واعتبروه عبئاً على مصالح الولايات المتحدة. هذه التطورات تشير إلى أن الدعم الأمريكي غير المشروط، الذي اعتبره سموتريتش أمراً مفروغاً منه، لم يعد مضموناً كما كان في السابق.
الأزمة الداخلية والتكاليف الاقتصادية الباهظة
يواجه الكيان تصدعات سياسية واجتماعية متزايدة. أثارت تصريحات سموتريتش المتشددة، مثل الدعوة لتدمير غزة بالكامل وطرد سكانها، خلافات حادة بين التيارات الدينية والعلمانية داخل الكيان. كما أدى رفضه توفير تمويل إضافي بقيمة 60 مليار شيكل (16.2 مليار دولار) لتغطية نفقات الحرب على إيران وغزة إلى صدام عنيف مع وزارة الدفاع، مكشفاً عن أزمة مالية وإدارية عميقة.
اقتصادياً، سببت الحرب على إيران أضراراً جسيمة للكيان، حيث بلغت التكاليف عشرات مليارات الشواكل، وشُرد نحو 15,000 مستوطن، وتدمير مئات المباني. هذه الأزمة المالية، إلى جانب استمرار الحرب في غزة التي أسفرت عن مقتل أكثر من 60,000 فلسطيني، وضعت الكيان في مأزق استراتيجي حيث فشل في تحقيق أهدافه العسكرية رغم الدمار الواسع.
مستقبل المشروع الصهيوني
أوهام التفوق التي روج لها سموتريتش تنهار أمام الوقائع الميدانية. الهجوم على إيران لم يحقق أهدافه المعلنة، بل عزز قوة ووحدة محور المقاومة. أثبتت إيران قدرتها على الصمود والرد، بينما وقع الكيان في مأزق داخلي وخارجي حاد. العزلة الدولية، تصاعد المعارضة الشعبية في الغرب، والتحولات في الرأي العام الأمريكي، كلها مؤشرات على اقتراب المشروع الصهيوني من نقطة اللاعودة.
سيكتب التاريخ أن قادة هذا الكيان، خصوصاً نتنياهو وسموتريتش، كانوا عوامل مسرعة في انهياره الذاتي. الاعتماد المطلق على الدعم الأمريكي، الفشل في تحقيق سلام حقيقي للمستوطنين، والإصرار على سياسات توسعية وعدوانية، لن يؤدي إلا إلى مزيد من العزلة والانهيار. الأمة، بصمودها ووحدتها، أثبتت أن المعركة ليست على حدود أو مواقع، بل على الهوية والكرامة والسيادة، وتمتلك اليوم مقومات انتفاضة غير مسبوقة قادرة على إعادة توازن القوى في المنطقة.