إيران روح الله… ثورة عميقة الجذور ودولة قوية

✍️ المجاهد الصريمي:
ثورة إيران الإسلامية ما زالت حية وحاضرة في جميع ميادين حياة شعبها وجماهيره، رغم مرور سنوات طويلة على انتصارها. سر هذه الثبات يكمن في وجود عقول واعية ومخلصة، تتابع الحركة الثورية خطوة بخطوة، تدرس دوافعها، وتدقق في أساليب تنفيذ كل مهمة. هذا المسار ينبع من شعور بالمسؤولية يحملونه على أكتافهم: البقاء في ساحة الثورة بوعي، وحماس، وتفكير خلاق، وإرادة صلبة.
هم لا يرضون بحلول نصف مكتملة، ولا يتكبرون على إنجازات الماضي، ولا يكتفون بما تحقق حالياً ليغرقوا في أحلام اليقظة. حركتهم لا تكون بلا هدف أبداً، ولا يتوقفون عن نقد الأداء، لأن النقد هو المعيار الأساسي لقياس مدى الالتزام بالمبادئ والمنهج الثوري. لذلك، لن تجد أبداً من يبرر العجز، أو يختلق فلسفات لتبرير النقص، أو يتغاضى عن الأخطاء مهما كان مرتكبها.
الهدف الأساسي للمفكرين والرواد في هذه الثورة هو إيجاد رؤية عملية متوافقة مع الإطار النظري، ليكون نموذجاً كاملاً من النظرية والتطبيق للثوار.
ومن جهة أخرى، فهموا أن مهمة الثورة لا تقتصر على إسقاط نظام واستبداله بآخر، بل يجب أن يكون البديل تمثيلاً لعبودية الله تعالى. لأن الثورة الإسلامية، المستلهمة من القرآن الكريم، تؤمن أن عباد الله وحدهم هم القادرون على بناء الطبيعة وتنظيم الحياة، لأنهم لا يستسلمون لمتع الدنيا وزخرفها.
هذه هي الخطوة الأولى لتحقيق المجتمع المثالي، المجتمع الذي يرتكز فيه الوصول إلى الكمال على العقل العملي، ذلك العقل المأخوذ من تعاليم الوحي وحركة الأنبياء، متجاوزاً المادية ومتمسكاً بمعنى الإنسانية الحقيقي؛ الإنسانية التي تُحفظ فقط بالاستجابة لنداء الفطرة والسعي المستمر لتزكية النفس.
علاوة على ذلك، عززت الثورة في الضمير الجمعي لشعبها الوعي بأن تحقيق مجتمع مستمد من الوحي ومثل الأنبياء لا يقتصر على إزالة الظلم وإقامة العدل فقط، بل يتطلب تخطيطاً لتحقيق عدالة قائمة على الوعي، ذلك الوعي الذي هو ثمرة العلم الحقيقي ومنبعها اسم الرب.
كما تقول أول آية من سورة العلق: «اقرأ باسم ربك الذي خلق»، وهو علم يوجه الحركة العلمية ضمن إطار الإيمان، ويؤدي إلى التقوى، التقوى التي ليست خوفاً جهلياً، بل التزام بحدود الله. وبها تُقاس مراتب الإنسان، وليس بأي معيار آخر.
وكل هذا يعود إلى قيادة رجل وقف في رأس هذه الثورة، وكان له مشروع كامل لتأسيس الدولة، بأهداف واضحة وأدوات سليمة. ورغم آلاف الشهداء الذين قدموا أرواحهم لتأسيس الجمهورية الإسلامية، لم يصدر منه فتوى بحمل السلاح، بل دعا الناس لحمل الورود في وجه جيش الشاه، مما أدى إلى انضمام عدد كبير من العسكريين إلى صفوف الثورة.
اليوم يقف الإنسان أمام التاريخ ليقارن: أين كانت إيران قبل الثورة وأين هي اليوم؟ وهل حقق الإمام وعده ببناء جمهورية نراها بأعيننا؟
لقد حقق دولة كان يحلم بها؛ ثقافة مستقلة مستمدة من القرآن والعاشوراء، جيش مستقل وقوي، إنجازات علمية على مستويات متعددة، وديمقراطية متوافقة مع الثقافة الإيرانية، والارتباط الإسلامي والجغرافي، تجمع بين الشرعية الإلهية والقبول الشعبي. كل الأسباب التي سردها الإمام للثورة وإسقاط الشاه تحولت إلى نجاحات وإنجازات جعلت إيران قوة، ذات قدرة واستقلال، حتى أصبحت اليوم دولة مستقلة تُفتح لها آلاف الحسابات وتلعب دوراً حاسماً في تحرير الشعوب من الاستعمار الداخلي والخارجي.
ومن أهم أسرار نجاح الثورة أنها لم تكتفِ بإزاحة الأفراد فقط، بل قضت على الفساد المؤسسي الذي كان مزروعاً في النظام السابق. الإمام (رحمه الله) لم يقتصر على إزاحة الشاه وأعوانه، بل أزال نظامهم الفاسد، وأسس نظاماً مختلفاً تماماً؛ من اسم البلد إلى الدستور، والمؤسسات الديمقراطية، والعلم، والمعتقدات، والأسس الفكرية. هذا التغيير الشامل في الأشخاص والطرق والهياكل الحاكمة كان من أهم أسرار نجاح ثورة الإمام.