“إيران والاتحاد الأوروبي يناقشان آلية الزناد: محاولة دبلوماسية لتجنب العقوبات الأممية”

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
إعلان وزارة الخارجية الإيرانية بشأن مناقشة الوزير عباس عراقجي مع كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، حول تفعيل آلية الزناد، أكد أنّ طهران تعتبر هذه الخطوة خرقًا صريحًا للاتفاق النووي وانتهاكًا لالتزامات الأوروبيين، محذّرة من أنّ أي محاولة لإعادة العقوبات الأممية ستواجه بردّ حازم، وستؤدي إلى تقويض فرص الحوار والتعاون بين إيران والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار الإقليميين.
1. ما هي آلية الزناد (Snapback Mechanism)?
آلية الزناد، أو ما يُعرف رسميًا بـ”آلية تسوية النزاعات”، هي بند مدرج في الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة – JCPOA) الموقّع عام 2015 بين إيران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين، وألمانيا). تتيح هذه الآلية لأي طرف من أطراف الاتفاق تقديم شكوى إذا اعتبر أن إيران انتهكت التزاماتها النووية. يؤدي ذلك إلى فتح مسار قانوني قد ينتهي بإعادة فرض العقوبات الأممية التي كانت مفروضة على إيران قبل الاتفاق، دون الحاجة إلى تصويت جديد في مجلس الأمن الدولي.
آلية عملها:
-
- الخطوة الأولى: يقدم أحد الأطراف شكوى رسمية إلى مجلس الأمن بشأن عدم التزام إيران.
-
- فترة التفاوض: يُمنح 30 يومًا لمحاولة حل النزاع دبلوماسيًا.
-
- إعادة العقوبات: إذا لم يتم التوصل إلى حل، يمكن للدولة مقدمة الشكوى استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع قرار باستمرار رفع العقوبات، مما يؤدي إلى إعادة فرض العقوبات الأممية تلقائيًا.
-
- القرارات المشمولة: تشمل العقوبات قرارات مجلس الأمن السابقة (1696، 1737، 1747، 1803، 1835، 1929)، التي تتضمن تجميد أصول، حظر توريد الأسلحة، وتعليق الأنشطة النووية الحساسة.
من يحق له تفعيلها؟
يحق لأي طرف من أطراف الاتفاق (باستثناء الولايات المتحدة بعد انسحابها عام 2018) أو الاتحاد الأوروبي بصفته منسقًا أن يبدأ إجراءات تفعيل الآلية. الترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) لديها السلطة القانونية لتفعيلها بناءً على قرار مجلس الأمن 2231.
2. سياق تفعيل آلية الزناد (أغسطس/سبتمبر 2025):
في 28 أغسطس 2025، أعلنت الترويكا الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) نيتها تفعيل آلية الزناد، متهمة إيران بعدم الالتزام بالتزاماتها النووية بموجب الاتفاق النووي. هذه الخطوة جاءت في سياق تصاعد التوترات بسبب:
-
- تقدم البرنامج النووي الإيراني: استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية، مما أثار مخاوف الغرب.
-
- هجمات كيان الاحتلال الصهيوني: تعرضت منشآت نووية إيرانية لهجمات في يونيو 2025، مما زاد من حدة التوتر.
-
- تهديدات إيران: ردًا على الضغوط، هددت إيران بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وتقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
-
- انتهاء مدة الاتفاق: ينتهي سريان الاتفاق النووي في 18 أكتوبر 2025، مما يدفع الأطراف لتسريع الإجراءات قبل هذا التأريخ.
يُتوقع أن تستغرق عملية تفعيل الآلية 30 يومًا، أي حتى نهاية سبتمبر 2025، قبل أن تتولى روسيا رئاسة مجلس الأمن في أكتوبر، مما قد يعقد الأمور بسبب دعم روسيا لإيران.
3. تفاصيل لقاء عباس عراقجي وكايا كالاس:
وفقًا لإعلان وزارة الخارجية الإيرانية، عقد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي اجتماعًا مع كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، يوم الخميس لمناقشة تفعيل آلية الزناد. النقاط الرئيسية التي تم تناولها تشمل:
-
- موقف إيران: أعربت إيران عن توقعها من أوروبا أن تلعب دورًا بنّاءً في تحييد الضغوط الغربية والحفاظ على الدبلوماسية. عباس عراقجي حذّر من أن تفعيل الآلية قد يقضي على دور أوروبا في الملف النووي، معتبرًا أنها خطوة قد تؤدي إلى انهيار الاتفاق النووي نهائيًا.
-
- موقف الاتحاد الأوروبي: أكدت كايا كالاس أن تفعيل آلية الزناد لا يعني نهاية الجهود الدبلوماسية، مشيرة إلى أن الفترة الزمنية (30 يومًا) تمثل “فرصة” للتوصل إلى حل دبلوماسي. الاتحاد الأوروبي دعا إيران إلى العودة لالتزاماتها النووية والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
-
- الاتفاق على مواصلة المشاورات: اتفق الطرفان على استمرار المحادثات خلال الأيام والأسابيع القادمة لمحاولة إيجاد مخرج دبلوماسي يمنع إعادة فرض العقوبات.
4. تداعيات تفعيل آلية الزناد:
على إيران:
-
- اقتصادية: إعادة فرض العقوبات الأممية ستؤثر على الاقتصاد الإيراني، خاصة في قطاعات النفط، البنوك، والتجارة الدولية. قد يؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية الداخلية.
-
- سياسية: تفعيل الآلية قد يعزز موقف المتشددين في إيران الذين يرون أن البرنامج النووي رمز للكبرياء الوطني، مما قد يدفع إيران لتصعيد أنشطتها النووية أو الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار.
-
- دبلوماسية: إيران ترى الخطوة الأوروبية كخيانة لروح الاتفاق، وقد تلجأ إلى تقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو تعزيز تحالفاتها مع روسيا والصين لمواجهة الضغوط.
على أوروبا:
-
- فقدان النفوذ: تفعيل الآلية قد يضعف دور الترويكا الأوروبية في المفاوضات المستقبلية، حيث حذّر خبراء من أن إيران قد تتجه نحو الاعتماد على روسيا والصين.
-
- ضغوط داخلية: الاتحاد الأوروبي يحاول تحقيق توازن بين الضغط على إيران والحفاظ على قنوات دبلوماسية، لكنه يواجه تحديات بسبب الضغوط الأمريكية والإسرائيلية.
على النظام الدولي:
-
- تصعيد التوترات: تفعيل الآلية قد يؤدي إلى انهيار الاتفاق النووي، مما يزيد من مخاطر التصعيد العسكري، خاصة بعد العدوان الصهيوني الأخير على ايران.
آتش به اختیار أو الانتقام الإختياري
-
- هناك احتمال أن يتم في المقابل تفعيل آلية“آتش به اختیار” و تعني أن القوى غير الرسمية المرتبطة بإيران والمؤيدة لها في الخارج قد تتحرك بصورة مستقلة وتعمل وفق تقديرها الذاتي لمواجهة تهديدات خارجية إذا شعرت بوجود تهديد مباشر أو أي إجراء أحادي الجانب، مثل تفعيل سناب باك. هذه الردود عادة ما تكون غير منضبطة و غير متوقعة، لكنها تمثل تحذيرًا واضحًا للسياسة الأوروبية من أي خطوات استفزازية قد تضر بالعلاقات الإيرانية-الأوروبية، وتشمل إمكانية تنفيذ عمليات غير محدودة وغير محسوبة على الأراضي الأوروبية وبريطانيا، وربما تعني تصعيدًا عسكريًا شاملًا، لكنها تؤكد قدرة إيران على الرد على أي تهديد بطريقة ذكية واستراتيجية. وفي سياق التطورات الحديثة، أشارت تحليلات إلى أن مثل هذه الآلية قد تكون ردًا على الضغوط الأوروبية، خاصة مع دعم روسيا والصين لإيران ضد “سناب باك”.
-
- موقف روسيا والصين: روسيا حذرت من أن الخطوة الأوروبية قد تكون “مقامرة” تؤدي إلى عواقب لا يمكن إصلاحها، بينما الصين قد تدعم إيران اقتصاديًا وسياسيًا لمواجهة العقوبات.
5. تحليل الموقف الحالي:
-
- إيران: تسعى إيران إلى كسب الوقت من خلال المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، مع التمسك بموقفها القائل إنها لن تتفاوض تحت الضغط. تصريحات عراقجي تعكس استراتيجية إيران في إلقاء المسؤولية على أوروبا للحفاظ على الاتفاق.
-
- الاتحاد الأوروبي: يحاول الاتحاد الأوروبي استخدام آلية الزناد كورقة ضغط دبلوماسية، مع الإبقاء على نافذة التفاوض مفتوحة. تصريحات كايا كالاس تشير إلى رغبة أوروبية في تجنب التصعيد الكامل.
-
- التحديات: المهلة الزمنية القصيرة (30 يومًا) والتوترات الإقليمية (بما في ذلك الصراع مع إسرائيل) تجعل التوصل إلى حل دبلوماسي صعبًا.
6. الخيارات المستقبلية:
-
- حل دبلوماسي: إذا نجحت المشاورات بين إيران والاتحاد الأوروبي، قد تتجنب إيران العقوبات من خلال تقديم تنازلات، مثل تقليص أنشطتها النووية أو زيادة التعاون مع الوكالة الدولية.
-
- تصعيد: إذا فشلت المفاوضات، قد تُعاد العقوبات الأممية، مما يدفع إيران إلى اتخاذ خطوات تصعيدية مثل تسريع برنامجها النووي أو الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار.
-
- دور روسيا والصين: إيران قد تعتمد على دعم روسيا والصين لمواجهة العقوبات، سواء من خلال الفيتو في مجلس الأمن (في حالات أخرى) أو تقديم دعم اقتصادي.
7. الخلاصة:
لقاء عباس عراقجي وكايا كالاس يعكس محاولة لإبقاء قنوات الدبلوماسية مفتوحة في ظل تصاعد التوترات حول البرنامج النووي الإيراني. آلية الزناد تمثل أداة ضغط قوية للترويكا الأوروبية، لكنها تحمل مخاطر كبيرة، بما في ذلك انهيار الاتفاق النووي وزيادة التوترات الإقليمية. إيران تتمسك بموقفها القائل إنها لن تخضع للضغوط، بينما يحاول الاتحاد الأوروبي تحقيق توازن بين الضغط والتفاوض. الأسابيع القادمة ستكون حاسمة لتحديد ما إذا كان الحل الدبلوماسي ممكنًا أم أن العقوبات ستُعاد فرضها.