لبنان: الثنائي الشيعي يحبطُ الورقة الأمريكية

حوراء المصري:
يعيش شيعة لبنان اليوم سيناريو يتكرر منذ عام 1982 حتى يومنا هذا، ألا وهو سحب سلاح المقاومة، وذلك بطلب خاص من الولايات المتحدة التي تعتبر نفسها مسؤولة عن الشرق الأوسط. فبسحب سلاح حزب الله يمكن للكيان الصهيوني أن ينعم بالسلام، لذا عملت الحكومة اللبنانية على المصادقة على ما تضمنته الورقة الأمريكية دون دراسة مستقبلية لما سيحدث عند سحب السلاح.
إلا أن الثنائي الشيعي مازال يدعم بعضهم بعضاً، فمنذ طرح هذا السيناريو وبدء انعقاد عدة جلسات لتسوية الأمر، فضلاً عن تكليف الحكومة للجيش اللبناني بمهمة نزع السلاح، بقى الموقف الشيعي كما هو: لا لتسليم السلاح، لا لصدام داخلي، ولا للبقاء الصهيوني في الأراضي اللبنانية.
انسحاب تكتيكي
في الجلسة الأخيرة التي عقدت الجمعة والتي تضمنت مناقشة خطة حصر السلاح بمساعدة الجيش اللبناني، قام الثنائي الشيعي، فضلاً عن الوزير المستقل فادي مكي، بالانسحاب مسجلين موقفاً وطنياً. أعتبره البعض انسحاباً من الحكومة، إلا أن الثنائي أجاب بكل صراحة أن هذا الانسحاب ما هو إلا موقف من الجلسة فقط، والتي اعتبرها محاولة لفرض قرارات غير مناسبة، ولا سيما في الوقت الراهن حيث لا يزال الكيان الصهيوني يعتدي على الجنوب بكل قسوة.
باختصار، جعل الانسحاب من الحكومة لا تمتلك شرعية قانونية لأن النظام توافقي وجعلها مشلولة سياسياً، فهي قادرة على البقاء شكلياً لا فعلياً، فهي تفتقد لاتخاذ القرارات الوطنية الجامعة دون مشاركة الثنائي الشيعي.
هدف واضح
إن الهدف من الانسحاب المتكرر للثنائي الشيعي منذ طرح المسودة الأمريكية هو إرسال رسالة سياسية واضحة: أن هذا المطلب ما هو إلا استهداف صريح لمكتسبات الشيعة، والذي يعتبر السلاح حقاً في الدفاع عن نفسه ضد العدو، فضلاً عن أنها حركة ضغط سياسي لدفع الحكومة للحوار لا للصدام، والذي قد يجر لبنان لحرب أهلية.
إلا أن الرأي الحقيقي للثنائي الشيعي تم توضيحه منذ اللحظات الأولى لطرح الورقة الأمريكية.
موقف رسمي مشرف
وضح الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) موقفهم بشكل مباشر: لا للسلاح، نعم للتفاهم والحوار، فمن خلال اللاءات الثلاث التي بينت الموقف بشكل أوضح للشارع اللبناني وللولايات المتحدة الأمريكية:
أولاً: لا لتسليم السلاح، وذلك بسبب أن أي محاولة لتسليم السلاح تهدف لتهديد التوازن الأمني والسياسي في الداخل اللبناني.
ثانياً: لا لصدام مع الجيش والشارع، فهدف المقاومة واضح ولا تسعى لمواجهة عنيفة ضد الجيش والتي قد تؤدي لتهديد الأمن الداخلي للبنان.
ثالثاً: لا للاستقالة من الحكومة، لمن يعتقد أن الثنائي يرمي لإفشال الحكومة فهو مخطئ، فالانسحاب ما هو إلا موقف ضد الورقة الأمريكية وضد القرارات غير المدروسة من قبل الحكومة.
إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو السيناريو المستقبلي للواقع اللبناني؟ هل يتجه لبنان لحرب أهلية أم يحل الأمر بالحوار والتفاهم؟ هل سيبقى الثنائي الشيعي يلجأ للانسحاب؟
السيناريوهات المستقبلية
السيناريو الأقرب هو الانسحاب، فهو ورقة ضغط بيد الثنائي الشيعي، فلا يمكن قيام حكومة كاملة دون مشاركة للثنائي فيها. فالتسوية قد تتخذ دوراً وسطاً: الاعتراف بدور المقاومة في مواجهة الكيان مع تعزيز القدرات العسكرية للجيش اللبناني.
الاستقالة الرسمية: قد يتخذ الثنائي هذه الخطوة إذا ما واصلت الحكومة تنفيذ المسودة، مما يؤدي لفتح الباب أمام أزمات دستورية للبحث عن بدائل.
الأمر لا يقتصر على الداخل اللبناني، فقد يحل الأمر بواسطة تفاوضات خارجية إقليمية أو دولية، كتفاوض إيران مع الغرب، وكذلك وضع الكيان الصهيوني مع الجنوب، مما نستنتج أن الحل ليس بالضرورة أن يكون داخلياً بحتاً، بل عن طريق تفاهمات إقليمية ودولية.
في نهاية المطاف، نستنتج أن انسحاب الثنائي رسالة سياسية مركبة تحمل رفضاً لفرض القرارات الأمريكية دون إيلاء أي اهتمام للمخاوف الداخلية، ولا سيما بوجود الاحتلال عند الحدود. بين رفض التسليم وعدم الصدام مع الجيش، يظهر أن الثنائي يحاول ممارسة ضغط تكتيكي يهدف لإعادة فتح باب التفاوض، إلا أن السؤال الذي يتسلل لأذهاننا في ظل هذا المشهد هو:
هل يشكل هذا الانسحاب خطوة جديدة للتسوية الوطنية وتنظيم العلاقة بين الجيش والمقاومة والحكومة، أم خطوة نحو تصعيد أمني سياسي يجر لبنان لحرب أهلية؟