القسم السياسي

واحد 8200: عندما يعمل العدو في الخفاء… والجهلاء ينفذون المهمة بدون وعي

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

وحدة 8200، التابعة لجهاز المخابرات العسكرية الصهيوني (أمان)، ليست مجرد وحدة فنية معلوماتية، بل هي العقل المدبر للعمليات السيبرانية والنفسية التي يستخدمها النظام الصهيوني ضد الأمة الإسلامية. تُعتبر هذه الوحدة من أخطر الأذرع الاستخبارية في العالم، وتتخصص في التجسس الإلكتروني، واختراق الأنظمة، وجمع وتحليل البيانات، واستغلالها في حروب الجيل الخامس؛ حروب تستهدف العقول والقلوب قبل الأرض.
لكن الأخطر من كل ذلك هو دور هذه الوحدة في التلاعب بالرأي العام عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، حيث تستخدم أساليب معقدة لنشر الفتنة، وإثارة الشكوك، وإحداث الانقسامات في المجتمعات.

دور وحدة 8200 في الحروب النفسية

لا يقتصر عمل وحدة 8200 على اختراق الهواتف أو الحسابات الشخصية، بل يشمل تصميم عمليات معقدة تهدف إلى خلق فوضى فكرية واجتماعية في البلدان المستهدفة. تستخدم هذه الوحدة تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الضخمة وفهم الاتجاهات الاجتماعية والدينية والسياسية للمجتمعات، ثم تستهدفها بدقة.
مثلاً، قد تنشئ هذه الوحدة حسابات مزيفة على منصات مثل تويتر أو فيسبوك تظهر كأنها تابعة لجماعات دينية أو سياسية معينة، لكنها في الحقيقة مصممة لإثارة النقاشات الطائفية أو خلق اتهامات متبادلة بين أفراد الشعب.
هذه الحسابات لا تعمل بشكل عشوائي، بل تتبع استراتيجيات محسوبة لإثارة العواطف وتحويل الخلافات الصغيرة إلى صراعات عميقة. مثلاً، قد يتم نشر فيديو مقتطع أو بيان مزيف منسوب لشخصية دينية أو سياسية، مما يثير موجة من الجدل العقيم.
ما الهدف؟ تحويل انتباه الناس عن القضايا الأساسية مثل المقاومة ضد الاحتلال، وإغراقهم في صراعات هامشية تضعف وحدتهم.

الجنود الرسميون: من هم؟

وحدة 8200 لا تعتمد فقط على تقنياتها المتقدمة، بل تستعين بجيش من “الجنود الرسميين” الذين ينفذون مهامها بدون وعي. هؤلاء قد يكونون:
•منفذون وصحفيون: ينشرون روايات مشوهة أو تحليلات سياسية خاطئة تغذي الانقسامات الطائفية أو القومية، مثل برامج تلفزيونية تتهم جماعات بالخيانة دون دليل، مما يشعل فتيل الفتنة.
•محللون سياسيون: يظهرون في الإعلام ويدعون نظريات المؤامرة التي تشكك بالمقاومة أو تصورها تهديداً للأمن الإقليمي.
•أكاديميون: ينشرون مقالات علمية ظاهرياً لكنها تدفع أجندات تشوه صورة حركات التحرر أو تبرر سياسات النظام الصهيوني.
•خبراء أمنيون وعسكريون: يتحدثون في الإعلام عن “خطر إيران” أو “الخطر الشيعي” لتحويل الأنظار عن العدو الحقيقي.
•ناشطون في شبكات التواصل: يشاركون منشورات مثيرة أو يشاركون في نقاشات طائفية، معتقدين أنهم يدافعون عن قضاياهم، لكنهم في الواقع يخدمون أجندة العدو.
هؤلاء الأشخاص، سواء عن جهل أو عمد، يصبحون أدوات في يد وحدة 8200 التي تستغل حماسهم وتعصباتهم الطائفية لتعميق الانقسامات في المجتمعات العربية والإسلامية.

أمثلة حقيقية

•نشر شائعات: في إحدى الحملات، تم نشر فيديو مزيف يظهر أحد قادة المقاومة يدلي بتصريحات مثيرة للجدل. تبين لاحقاً أن الفيديو مُزيف بتقنية الذكاء الاصطناعي، لكن الضرر حدث وتحول الجدل إلى اتهامات متبادلة بين مؤيدي ومعارضي المقاومة.
•إثارة الطائفية: في العراق وسوريا، تم كشف حسابات مزيفة تحرض ضد جماعات المقاومة باسم الدفاع عن “الهوية السنية” أو “الهوية الشيعية”، مما أدى إلى نقاشات عنيفة أبعدت الناس عن مواجهة الاحتلال.
•تشويه صورة المقاومة: في حملات إعلامية، تُصوَّر المقاومة الفلسطينية كـ”إرهابية” أو “فوضوية” لتقليل الدعم الشعبي وإضعاف معنويات أنصارها.

خطر الطائفية: من يستفيد؟

الطائفية هي السلاح المثالي لوحدة 8200. عندما ينشغل الناس بالصراعات الداخلية، يفقدون القدرة على تمييز العدو الحقيقي.
تخيل لو أن كل الطاقة المهدرة في المناقشات الطائفية على تويتر وفيسبوك كانت موجهة لدعم قضية فلسطين أو تعزيز الوحدة الإسلامية، ماذا كان سيحدث؟
من يستفيد من هذا التفرقة؟ النظام الصهيوني الذي يريد أمة مشتتة، متفرقة، وغارقة في نزاعات داخلية.
والأخطر أن هذه الوحدة لا تحتاج لإنفاق ملايين الدولارات أو إرسال جيوش إلى الأراضي العربية، يكفي أن تزرع بذور الفتنة بحساب مزيف أو فيديو مزيف، ثم توكل المهمة لأشخاص ينشرون الفتنة بحماس ظناً منهم أنهم يدافعون عن مبادئهم. هؤلاء هم “الجهلاء” الذين ينفذون المهمة بدون وعي ويصبحون جزءاً من خطة أكبر.

كيف نحمي أنفسنا؟

•التفكير النقدي: تحقق من مصدر أي منشور أو خبر قبل مشاركته. هل الحساب موثوق؟ هل الخبر مدعوم بأدلة؟
•الابتعاد عن الطائفية: الخلافات الفكرية والسياسية مشروعة، لكن تحويلها إلى صراعات طائفية هو فخ العدو.
•التركيز على الهدف الأسمى: قضية فلسطين هي محور يجب أن توحد الأمة. أي نقاش يبعد عن هذا الهدف

يخدم العدو.
•التثقيف الإعلامي: تعلم كيفية التعرف على الحملات الإعلامية الموجهة. كثير من الفيديوهات والصور التي تثير الغضب تكون مزيفة أو مقطعة.

وفي النهاية:

من ينفخ في نار الطائفية، يشعلها في جسد الأمة كلها. لنعيد النظر في أنفسنا… قبل أن نُدرج، جهلاً أو عمداً، ضمن قائمة عوامل وحدة 8200 غير الرسمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى