القسم السياسي

البند المقاومة العراقية: خط أحمر أمام التفكيك والألاعيب السياسية

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

يُطرح النقاش مجدداً حول سلاح المقاومة في العراق؛ القوة التي كانت دائماً ولا تزال الدرع الحصين لأمن وسيادة العراق، ولكن هذه المرة بشكل جديد تحت عناوين مثل «تنظيم العلاقة بين الدولة والقوات المسلحة» و«تعزيز سيادة الدولة».
رغم أن هذه الشعارات تبدو على السطح مطالب وطنية مشروعة، إلا أنها في الحقيقة محاولات لتقليل آخر خط دفاعي يحمي العراق من مشاريع السيطرة والاحتلال، وفتح ثغرات في حق العراق بالدفاع عن نفسه.
السؤال «هل الذي يسلم سلاحه للوطن والجيش وعائلته قد استسلم؟» يبدو بسيطاً لكنه يحمل دلالة عميقة وخطيرة؛ لأن التخلي عن سلاح المقاومة اليوم ليس مجرد إجراء إداري أو سياسي، بل هو محاولة لتدمير قوة حافظت على العراق لأكثر من عقد من الزمن من الإرهاب والاحتلال.

المقاومة العراقية بسلاحها وتضحياتها كانت درعًا حال دون سقوط المدن المقدسة وحمت العراق من مخططات التقسيم والاحتلال. ومن هنا، فإن الجواب واضح: من يسلم سلاحه اليوم، لا يسلمه للدولة الوطنية، بل يسلمه عمليًا لأعداء العراق الذين لا يريدون لشعب العراق أن يكون لديه قوة حقيقية وقادرة على حماية نفسه من التهديدات المتزايدة.

لا يمكن فهم هذه المطالب بمعزل عن السياق الإقليمي والدولي الذي يتم فيه استغلال الضعف السياسي والاقتصادي للحكومة العراقية. بينما تستمر القوات المحتلة في وجودها العسكري، وتتصاعد المنافسات الإقليمية والدولية على النفوذ في العراق، تنشأ محاولات لتفكيك المقاومة وتسليم السلاح تحت عنوان «حصار السلاح في يد الدولة». تطرح هذه المطالب في وقت تواجه فيه الحكومة العراقية أزمات سياسية واقتصادية عميقة، غير قادرة على تحمل المسؤولية الأمنية الكاملة أمام التحديات الكثيرة.

في هذا الإطار، تأتي كلمات المرجعية العليا في النجف بتاريخ 11 أكتوبر 2023 ذات أهمية كبيرة؛ حيث أكدت أن «العالم كله مدعو للوقوف في وجه هذا الهمجية الرهيبة ومنع استمرار مخططات المحتلين لإلحاق المزيد من الضرر بالشعب الفلسطيني المظلوم». كما ذكرت أن «إنهاء مأساة هذا الشعب الشريف التي استمرت لأكثر من سبعة عقود لن يتحقق إلا من خلال تحقيق حقوقه المشروعة ورفع الاحتلال عن الأراضي المغتصبة، وبدون ذلك ستستمر المقاومة ضد المعتدين، ما يؤدي إلى دوامة عنف تسلب أرواح المزيد من الأبرياء». هذه الدعوة توجه درسًا واضحًا للعراقيين بأن المواجهة الحقيقية للاحتلال هي السبيل الوحيد للوصول إلى الأمن والسلام الحقيقي، وأن المقاومة هي العمود الفقري لهذه المعركة، وليس التسليم أو التخلي عن سلاح الشعب الذي يضمن استقلال وأمن العراق.

لذا، يجب فهم دعوة المرجعية إلى حصر السلاح في يد الدولة في إطار تنظيم القوة المسلحة الوطنية للحفاظ على وحدة وسيادة العراق، وليس كدعوة لتفكيك المقاومة أو نزع سلاحها، بل على العكس، هي تأكيد على أهمية وجود قوة مقاومة وطنية قوية تدعم الدولة وتحمي البلاد من أي عدوان.

على الصعيد السياسي الداخلي، أثار تغريدة مقتدى الصدر الأخيرة ردود فعل كثيرة؛ إذ طالب بحصر السلاح في يد الدولة وحل «الميليشيات»، لكن موقفه كان يحمل تناقضات واضحة أضعفت وضوح رؤيته وجدية طلبه.

ومن الأهمية بمكان أن طلب مقتدى الصدر بحل ألوية الحشد الشعبي وتسليم سلاح المقاومة، حتى وإن وصفها بـ«الميليشيات»، يتماشى مع برامج خارجية تهدف إلى إضعاف هذه القوة ونزع سلاحها، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن واستقرار العراق.

إذا كان مقتدى الصدر صادقًا في تغريدته بشأن ضرورة «حل الميليشيات»، فعليه أن يتحمل مسؤولية هذه الدعوة بدءًا بحل الجماعات المسلحة التي لا علاقة لها بالمقاومة الحقيقية، مثل المجموعة المعروفة بـ«سرايا السلام»، وهي الوحيدة التي يمكن حقًا اعتبارها «ميليشيا»، لأنها منذ سنوات قد انحرفت عن المشاركة في المقاومة ولم تلعب دورًا فعالًا في مواجهة داعش أو التهديدات الأمنية.

بل على العكس، تضم هذه المجموعة قوات مسلحة خارجة عن القانون شاركت في محاولات انقلاب فاشلة ضد الحكومة، مثل أحداث المنطقة الخضراء، واليوم دورها الرئيسي هو زرع الرعب بين المدنيين وتهديد كل صوت معارض وملاحقة من ينتقد زعيم التيار الصدري. لذلك، إذا كانت هذه الدعوة صادقة، يجب أن تثبت بحل مثل هذه الجماعات التي تهدد الأمن والاستقرار، وليس باستهداف المقاومة الوطنية التي حمت العراق من الإرهاب والاحتلال.

الحقيقة التي يراها الجميع هي أن بعضهم يحاول تكرار تجربة الانقلاب المسلح الفاشل سابقًا، ويريدون تحقيق أهدافهم السياسية بتفكيك المقاومة، والتي تهدف إلى تمزيق العراق وزعزعة أمنه. وهم يحاولون من خلال مطالب متكررة لحل المقاومة أو دمجها أو نزع سلاحها فتح المجال لتنفيذ مشاريع مدمرة تستهدف أمن واستقرار العراق.

ومع ذلك، فإن أبطال المقاومة وألوية الحشد الشعبي هم كالحصن المنيع الذي حال دون تسلل الجماعات الإرهابية إلى النجف، كربلاء، الموصل ومدن العراق المقدسة الأخرى، وهم الدرع الواقي لمقدسات العراق وأمن شعبه. ومن ثم، فإن أي شخص يطالب اليوم بحل الحشد أو نزع سلاح المقاومة، حتى لو كان زعيمًا سياسيًا، يكون عمليًا متواطئًا مع أعداء العراق ويهدد الأمن الوطني.

لذلك، فإن سلاح المقاومة هو خط أحمر، وأمن العراق هو خط أحمر لا يجوز اللعب به أو المساومة عليه. والدماء التي أُريقت للدفاع عن العراق أعظم وأقدس من أي حسابات سياسية ضيقة.

ومن الجدير بالذكر أن هذا السلاح المقاوم أمانة في يد رجال ضحوا بأرواحهم من أجل الوطن والحرية، وهو الضمان الحقيقي لاستقلال العراق وحمايته من أي تهديد. وكل من يطالب اليوم بتسليم هذا السلاح يجب أن يثبت قدرة الحكومة العراقية على تحمل مسؤولية الحماية الأمنية، وإلا فإن تسليم السلاح يعني ترك العراق عرضة للأعداء.

 

ولكن هناك حقيقة مرة؛ أي سلاح يُؤخذ من المقاومة لا يصل إلى شعب العراق، بل يذهب إلى مخازن أجهزة التجسس المعادية التي تسعى إلى إضعاف العراق وتمزيقه. ولهذا السبب، نحتاج اليوم إلى تطوير وتمكين سلاح المقاومة، لا إلى تفكيكه أو تجريده من محتواه.

المقاومة ليست مجرد سلاح في يد شخص واحد، بل هي إرادة أمة، ووعي شعب، وتضحيات أجيال. أي تنازل عن المقاومة اليوم يعني التنازل عن مستقبل العراق، حريته واستقراره.

وفي النهاية، سلاح المقاومة العراقية هو الخط الأحمر، أمانة الأمة في مواجهة الظلم والاحتلال، وضمان بقاء العراق قويًا ومستقلًا في مواجهة التحديات الكبرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى