القسم السياسي

من الطائرات المُسيّرة المُسقطة إلى الحرب الاقتصادية والاستخباراتية

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

⚡️ردّ إيران الخاطف على العدوان العسكري المشترك بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل يحمل أبعاداً استراتيجية تتجاوز ساحة المعركة.
تصريحات الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام والقائد السابق للحرس الثوري، عكست فهماً عميقاً لتعقيدات المواجهة، حيث تم الربط بين الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية والاستخباراتية، مدعومة بشواهد انبثقت من داخل بنى الكيان الصهيوني نفسه.


🔶 ما وراء الخطوط الأمامية: نظرة إلى المعركة متعددة الأبعاد

التقييم المطروح أشار بوضوح إلى أن التطورات الأخيرة عززت بشكل ملموس من مكانة إيران الاستراتيجية في المنطقة.
فالقوى الإقليمية راقبت باهتمام ما حدث، وأدركت أن هناك قوة قادرة على الصمود تحت الضغوط وتقديم ردود مبتكرة.
التحليل كشف عن مخطط أميركي-صهيوني مدروس يهدف إلى تقسيم غرب آسيا إلى عشرات المناطق القابلة للإدارة، تم التدريب عليه خلال مناورات عسكرية، بهدف فرض هيمنة جوية وأمنية شاملة على المنطقة.


✅ المرحلة الأولى: المسيّرات التي قلبت المعادلة

القائد السابق للحرس الثوري أعلن إسقاط 80 طائرة مسيّرة تابعة للعدو، مع احتفاظ إيران بحطام 32 منها.

هذا الرقم، وإن بدا مجرد إحصاء، إلا أنه يحمل في طياته ثلاث رسائل استراتيجية هامة:

• اتساع نطاق عمليات الاختراق الجوي المصممة ضد أنظمة الدفاع الإيرانية
• الكفاءة الفنية للقوات الإيرانية في السيطرة وتحليل تكنولوجيا العدو
• توظيف الإعلام لخلق بيئة ردع وتعزيز صورة القدرة على الرد الفاعل

إيران نجحت في تحويل التهديد إلى فرصة لتعزيز قدرة الردع.


✅ السيناريوهات المتوقعة للعدو

تحليل الموقف رسم سيناريوهين محتملين للمحور المعتدي:

  1. الانسحاب من المواجهة المباشرة والسعي لتحويل النزاع إلى ساحات بديلة ونقاط اشتباك بالوكالة

  2. الإصرار على استمرار الضغط المباشر على إيران، وهو ما سيحمل تكاليف باهظة

الرد الإيراني اعتمد على تعزيز استراتيجية “التكامل بين الجبهات”، ما يستوجب استعداداً دائماً ورداً في كل جغرافيا محور المقاومة، ويتطلب يقظة وتكتيكات متعددة المستويات.


✅ الاقتصاد كساحة معركة ثانية

الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام، مستلهماً تجارب دول مثل ألمانيا واليابان ما بعد الحرب، طرح نموذج اقتصاد مقاوم يرتكز على:

• الاستثمار المستهدف في البنية التحتية التكنولوجية
• الاعتماد على الإنتاج المحلي
• تحويل العقوبات إلى محفز للنمو

هذا الطرح يُظهر ترابطاً بين الأمن القومي والاكتفاء الذاتي، ويتحدى نماذج اقتصادية قائمة على الاستهلاك والريعية.


✅ ساحة المعركة الاستخباراتية: هجوم هادئ لكنه فعّال

تقارير عبرية أشارت إلى اختراق شبكات مرتبطة بإيران لهياكل الأمن في الكيان، باستخدام تقنيات اتصال حديثة وتحويلات مالية مشفرة، وتمكنت من:

• تجنيد العشرات من عناصر الكيان
• جمع معلومات حساسة عن الخسائر البشرية في صفوف النخب الأمنية والعسكرية
• اختراق مؤسسات كـ “الموساد” و”الشاباك” وحتى مراكز علمية
• تنفيذ مهام تصوير وجمع معلومات والتأثير على أنظمة الدفاع

وقد أدت هذه العمليات إلى قلق وتصدّع داخلي في الكيان، كما نقلت ذلك وسائل الإعلام العبرية.


✅ انهيار داخلي في المنظومة الأمنية

صحف كـ “هآرتس” و”معاريف” ألمحت إلى ما سُمي بـ “أزمة أمنية غير مسبوقة”.
البيانات المسربة من داخل الكيان كشفت عن:

• فقدان قادة ميدانيين رئيسيين
• العجز عن اكتشاف شبكات الاختراق
• تراجع معنويات القوات في الميدان

إيران نجحت في نقل المعركة من حدودها إلى عمق منظومة العدو.


✅ الخطر الداخلي: مواجهة مشروع التفتيت

في جانب آخر من التصريحات الرسمية الإيرانية، تم التحذير من مساعي العدو لخلق انقسامات داخلية عبر:

• تحريض القوميات
• دعم الجماعات الانفصالية والمعارضة
• استخدام الفضاء الرقمي لنشر الإحباط وزعزعة الثقة

مواجهة هذا المخطط تتطلب تماسكاً اجتماعياً، ومقاومة ثقافية، وحضوراً أمنياً فعالاً.


✅ تثبيت معادلة ردع جديدة

ما حققته إيران لم يكن مجرد رد على عدوان، بل بناء هيكل ردع متعدد المستويات يتكوّن من:

• قدرة فعالة على الرد العسكري
• تفوق استخباراتي وعمليات ظل
• صياغة نموذج اقتصادي مقاوم
• الحفاظ على التلاحم الوطني في وجه الحروب الناعمة

هذا الهيكل يُعيد تعريف دور إيران، دور لم يعد محصوراً في الإقليم.


🛡️ من المقاومة إلى إعادة تعريف الحضارة

التطورات الأخيرة تؤشر إلى انتقال إيران من الدفاع إلى الفعل الاستراتيجي.
حتى الإعلام العبري لم يجد بداً من الاعتراف بهذا التحول.
ما يحدث ليس مجرد رد على عدوان، بل بداية لمسار من شأنه أن يُعيد صياغة توازن القوى في المنطقة.

إيران ستمضي في هذا الطريق مستخدمة أدوات متنوعة:
من الدفاع الجوي، إلى الاستخبارات، إلى الاقتصاد، إلى لغة مشتركة تجمع الشعوب في مشروع مقاوم عابر للحدود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى