تحقيق ميداني: وعدة صادقة ٣، تحوّل إيران نحو الرد العسكري الفوري…

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
في مساء الثالث عشر من يونيو 2025، دوت صفارات الإنذار في سماء فلسطين المحتلة معلنة بدء عملية «وعدة صادقة 3»؛ العملية التي أُطلقت بأمر مباشر من الإمام القائد، آية الله السيد علي خامنئي، ردًا على العدوان الصهيوني الذي وقع في ذات اليوم. استهدفت هذه العملية أهدافًا حساسة في عمق الكيان الصهيوني، وتمثل نقطة تحول في الاستراتيجية العسكرية للجمهورية الإسلامية، حيث تجاوزت نموذج الردود المتأخرة التي شهدناها في العمليتين السابقتين، ودخلت مرحلة الرد الفوري، إذ كانت المرة الأولى التي يُشن فيها الرد العسكري بالتزامن مع بداية العدوان. هذا يعني أن طهران لم تنتظر تقييمات ميدانية أو مشاورات دبلوماسية، بل اتخذت قرار فتح جبهة القتال فورًا. هذا التغيير في التوقيت يعكس تحولا أعمق في فلسفة القتال، حيث أصبح الزمن أحد مكونات الردع، وليس مجرد عامل ثانوي.
الرد الفوري لإيران: سابقة تاريخية
تُظهر تحقيقاتنا الميدانية أن إيران نفذت بعد ساعات قليلة من بدء العدوان هجومًا مركبًا استخدمت فيه صواريخ باليستية وطائرات مسيرة هجومية. استهدف الهجوم مراكز القيادة العسكرية، أنظمة الدفاع الجوي، القواعد الجوية، والبنى التحتية السيبرانية في عمق الأراضي المحتلة. وأكدت مصادر عسكرية إيرانية أن العملية كانت نتيجة تخطيط دقيق وتنسيق استخباراتي عالي المستوى، حيث تم تحديد واستهداف منشآت نووية غير معلنة في صحراء النقب.
هذا التسريع في الرد يحمل دلالات عميقة؛ فهو يعكس ثقة إيران في قدراتها العسكرية والاستخباراتية، ويؤكد أن الجمهورية الإسلامية لن تتردد في مواجهة أي عدوان مهما كانت قوة المعتدي وتحالفاته. أظهرت العملية تماسك المؤسسات الإيرانية وقدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة تحت الضغط، على عكس الصور الغربية التي تصور إيران كدولة ضعيفة.
البيئة العملياتية: مسرح الحرب في غرب آسيا
لفهم أبعاد عملية «وعدة صادقة 3»، يجب النظر إلى البيئة الإقليمية. درس تحقيقنا مدى الوجود العسكري الأمريكي في غرب آسيا، الذي يشكل العمود الفقري للتحالف الصهيوني-الغربي. أسطول الولايات المتحدة الخامس في البحرين يغطي الخليج العربي ومضيق هرمز، بينما يشرف الأسطول السادس من نابولي بإيطاليا على البحر الأبيض المتوسط. بالإضافة إلى ذلك، انتشرت القواعد الأمريكية في السعودية، قطر، الإمارات، الكويت، العراق، سوريا، الأردن وتركيا، فيما يلعب الكيان الصهيوني دور القاعدة المركزية للردع الأمريكي.
في المقابل، طورت إيران قدراتها العسكرية لمواجهة هذا الانتشار الواسع. أفادت المصادر العسكرية بأن الجمهورية الإسلامية استخدمت صواريخ متقدمة مثل «خليج فارس» القادرة على استهداف المضائق الاستراتيجية، بالإضافة إلى طائرات مسيرة تعتمد على تقنية «التوجيه الذاتي الذكي» والتي استطاعت تخطي أنظمة الدفاع الجوي الصهيونية.
الدفاع الغربي-الصهيوني: عجز أمام الهجوم الإيراني
رغم التفوق التقني لأنظمة الدفاع الجوي الغربية والصهيونية، التي تضم أنظمة مثل «ثاد»، «بايكال 3»، «مقلاع داوود»، و«القبة الحديدية»، إلا أن هذه المنظومات أظهرت قصورًا في مواجهة الهجوم الإيراني. وفق تحقيقنا، استخدمت إيران تكتيك الإشباع الصاروخي، حيث أطلقت أعدادًا كبيرة من الصواريخ والطائرات المسيرة على موجات متتالية لتعطيل أنظمة الكشف والتعقب.
قال العقيد المتقاعد أحمد رضائي، خبير الدفاع الجوي: «الأنظمة الصهيونية رغم تكلفتها الباهظة، صممت لمواجهة تهديدات محدودة، وليس هجمات مركبة تجمع بين الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والحرب السيبرانية في آن واحد.» وأضاف أن تقنيات التمويه والرؤية التي استخدمتها إيران، مثل الطيران على ارتفاع منخفض وزوايا سقوط حادة، صعّبت تعقب الهجوم الأولي بواسطة أقمار صناعية مثل «أفك-16».
الحرب السيبرانية: سلاح العصر الحديث
لم تقتصر عمليات «وعدة صادقة 3» على الأرض والسماء، بل امتدت إلى المجال السيبراني. وثقت تحقيقاتنا عمليات تشويش سيبراني استهدفت رادارات الكيان الصهيوني في جنوب فلسطين المحتلة، مما أدى إلى تعطلها لمدة 37 دقيقة في الموجة الأولى. كما اخترقت أنظمة الاتصالات العسكرية في قاعدة حتسور الجوية، مما أثر جزئيًا على نقل الأوامر. وأكدت المصادر الاستخباراتية الإيرانية أن هذه العمليات نفذتها وحدات متخصصة بالتعاون مع حلفاء إقليميين، مما اضطر الكيان الصهيوني إلى نقل طائراته الاستراتيجية مؤقتًا إلى قبرص.
معادلة الردع الجديدة: انتهاء عصر القصف بلا رد
أبرز نتائج العملية كانت فرض معادلة ردع جديدة، تفيد بأن أي هجوم صهيوني على أهداف إيرانية أو لحلفائها سيقابل برد فوري في عمق الكيان الصهيوني. هذه المعادلة قلبت حسابات تل أبيب وحلفائها، فالعصر الذي كانت تُشن فيه الهجمات أحادية الجانب دون رد قد ولى.
تؤكد تحقيقاتنا أن إيران لم تكتف برد عسكري واحد، بل نجحت في كسر «وهم السيادة» الصهيونية، مستهدفةً بدقة مراكز حساسة ومظهرةً قدرتها على اختراق أنظمة الدفاع المتعددة الطبقات. هذا التحول غيّر موازين القوى في المنطقة وأثبت قدرة إيران على الرد بطرق مركبة تجمع بين النيران، الحرب السيبرانية، والتسلل المعلوماتي.
ساحة القتال الواسعة: من غرب آسيا إلى المسرح الدولي
تجاوزت عملية «وعدة صادقة 3» نطاق الصراع الثنائي بين إيران والكيان الصهيوني لتلقي بتداعيات إقليمية وعالمية. منذ اللحظة الأولى لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة، دخلت العواصم العالمية في منافسة لتقييم أثرها على خريطة التحالفات والتكتلات. أصبحت العملية نقطة فاصلة في توازن القوى في غرب آسيا، وأثارت تساؤلات جدية حول فاعلية أنظمة الردع الغربية أمام واقع يتشكل بسرعة وبدون إنذار.
أكدت مصادر دبلوماسية غربية أن الناتو يعتبر كل صاروخ إيراني تهديدًا مباشرًا لبنيته الأمنية في الشرق الأوسط. مضيق هرمز وباب المندب، الشريانين الحيويين للتجارة العالمية، باتا الآن عرضة للتهديد المباشر من صواريخ إيران وحلفائها في اليمن، مما يضاعف الضغوط على الأساطيل الغربية.
كما أن المجال الجوي فوق البحر الأحمر والمتوسط لم يعد آمنًا للرحلات العسكرية الغربية والصهيونية، إلى درجة اضطرار الولايات المتحدة لنقل طائرات التزود بالوقود والاستخبارات إلى مواقع أخرى. تعكس هذه التطورات تصاعد خطر التصعيد إلى مستوى عالمي، إذ أن إيران ومحور حلفائها قادرون على استهداف مصالح الغرب أبعد من المتوسط.
مستقبل النزاع: نحو حرب شاملة؟
مع تصاعد التوترات، يتضح أن «وعدة صادقة 3» ليست نهاية، بل بداية سلسلة من الاشتباكات التكتيكية التي قد تفتح الطريق لمواجهة أوسع نطاقًا. أي استهداف للبنى التحتية الحيوية الإيرانية – سواء عبر هجمات جوية أو حرب سيبرانية أو عقوبات – سيقابل برد قد يمتد حتى قلب أوروبا، عبر قواعد المقاومة الإقليمية والتحالفات السيبرانية العابرة للحدود.
في الختام، يبدو أن عام 2025 سيكون عام تحولات جوهرية في خريطة القوة في غرب آسيا وربما في النظام الأمني العالمي. إيران بصبرها الاستراتيجي وضرباتها المباغتة تعيد كتابة قواعد النزاع، في حين يواجه الكيان الصهيوني وحلفاؤه تحديات غير مسبوقة. والسؤال الأكبر الآن: هل سيبقى هذا الصراع محصورًا إقليميًا؟ أم أن العالم يقف على أعتاب حرب شاملة؟ الجواب قد يتضح مع أول صاروخ يعبر الحدود.