إيران والكيان الصهيوني: هل خان العرب محور المقاومة؟

✍️ سكينا السيلاوي:
عندما تواجه الأمة العربية اختبارًا تاريخيًا، تخرج منه محملة بخسائر ثقيلة وعاجزة عن التعلم من تجارب الماضي. في كل مواجهة أو صراع، يتكرر المشهد نفسه: بيانات إدانة، تبريرات واهية، الهروب من المسؤولية، ولوم الآخرين على الهزائم. اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نشهد وقوف إيران وحدها في مواجهة الكيان الصهيوني؛ سياسيًا وعسكريًا وإعلاميًا. في هذا السياق، لجأت بعض الدول العربية إلى الصمت، أو تحالفت مع الكيان الصهيوني، أو اعتمدت علنًا تطبيع العلاقات معه.
هل من الممكن أن تكون البوصلة قد انحرفت إلى هذا الحد؟ هل مواجهة الاحتلال باتهام والتساهل معه حكمة؟ هل تخلى العرب حقًا عن محور المقاومة؟ أم أن المشكلة أعمق من مجرد موقف سياسي؟ تتناول هذه المقالة بأسلوب تحقيقي هذه الأسئلة، ودور الدول العربية وردود أفعال الشعوب تجاه العدوان الصهيوني-الأمريكي على إيران في يونيو 2025، ومكانة إيران في دعم القضية الفلسطينية.
أ. الخلفية التاريخية: الهزائم العربية وخيانة القضية الفلسطينية
عانت الأمة العربية منذ منتصف القرن العشرين من دوامة إخفاقات كبيرة. بدأت هذه الإخفاقات بهزيمة حزيران 1967 (حرب الأيام الستة) التي كسرت وهج “الجيوش العقائدية” وكشفت هشاشة الأنظمة العربية التي كانت تعتمد أكثر على الخطابات الصاخبة منها على العمل الفعلي. تبع ذلك فشل تجربة الوحدة العربية في عهد جمال عبد الناصر، حيث تحولت الشعارات القومية إلى أداة تصفية حسابات مع الخصوم الداخليين والخارجيين، وتفكك حلم الوحدة العربية الكبرى. ثم جاءت مرحلة “التحالفات المشبوهة” مثل ميثاق بغداد الذي وضع الأمن القومي العربي تحت السيطرة الغربية وفتح أبواب التدخل الأجنبي بصورة دائمة.
ومن أغرب وأقسى لحظات هذه المسيرة، حرب النظام البعثي ضد إيران (1980-1988) التي شنها صدام حسين بدعم مالي سخي من معظم دول الخليج، خوفًا من تأثير الثورة الإسلامية على الداخل العربي. والسخرية أن نفس الدول التي مولت صدام في الحرب ضد إيران، أصبحت فيما بعد ضحية احتلاله للكويت. هذه المشاهد العبثية تعكس سوء تقدير ونضج سياسي استمر لعقود في المنطقة. هل كانت هذه مجرد أخطاء عابرة أم مؤشرات على خلل جوهري في فكر النخب العربية الحاكمة؟
خلال العدوان الصهيوني-الأمريكي على إيران في يونيو 2025، والذي استمر 12 يومًا واستهدف المنشآت النووية الإيرانية مثل نطنز وفوردو، تكرر نفس النمط. بعض الدول العربية، خصوصًا تلك التي طبّعت علاقاتها مع الكيان الصهيوني، لم تكتفِ بالصمت، بل دعمت العدوان بشكل غير مباشر. هذه الدول، معظمها في الخليج، وقفت عمليًا إلى جانب العدو، متجاهلة القضية الفلسطينية ومشاعر الجمهور العربي.
ب. العدوان الـ12 يومًا ودور إيران في دعم فلسطين
العدوان الصهيوني-الأمريكي في يونيو 2025 كان محاولة لتقويض محور المقاومة ومنع استمرار دعم إيران للقضية الفلسطينية. إيران، المعروفة بدعمها الأساسي لفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية مثل حماس وحزب الله، كانت هدفًا مباشرًا لهذا العدوان. ورغم ذلك، ردت إيران عبر عملية “وعد صادق 3” التي شملت إطلاق أكثر من 550 صاروخًا باليستيًا و1000 طائرة مسيرة على مواقع العدو في نفاطيم ومحطة عسقلان، مؤكدة على عزمها الدفاعي واستمرار دعم المقاومة.
إيران اتخذت موقفًا ثابتًا ومبدئيًا من القضية الفلسطينية منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، حيث جعلت دعم فلسطين ركيزة في سياستها الخارجية. لم يقتصر الدعم على الجانب العسكري فقط، بل امتد إلى المستوى الدبلوماسي والإعلامي، من خلال شبكات مثل پرس تي في والعالم التي سلطت الضوء على جرائم الكيان الصهيوني في فلسطين ولبنان وسوريا، وكشفت التضليل الإعلامي الغربي والعربي. خلال عدوان يونيو 2025، ساهمت هذه الشبكات في فضح الخسائر التي لحقت بالعدو.
كما نسقت إيران مع فصائل محور المقاومة مثل أنصار الله في اليمن وحزب الله في لبنان، ما شكل ضغطًا متزايدًا على الكيان الصهيوني. هجمات أنصار الله على ميناء إيلات وتهديدات حزب الله بفتح الجبهة الشمالية أجبرت العدو على تشتت قواته، مما قلل قدرته على التركيز على إيران. هذا التنسيق يؤكد دور إيران المحوري في الحفاظ على وحدة محور المقاومة، حتى مع سقوط حلفائها مثل نظام بشار الأسد في سوريا.
ج. مواقف الأنظمة العربية: الصمت، التواطؤ أو التطبيع
في مواجهة إيران، تباينت ردود فعل الأنظمة العربية من الصمت إلى التواطؤ الواضح خلال العدوان. الدول التي أبرمت اتفاقات تطبيع مثل اتفاق أبراهام لم تدن الهجوم على إيران فحسب، بل دعمت العدوان ضمنًا أحيانًا. تقارير إيرانية تشير إلى السماح للطائرات الصهيونية باستخدام الأجواء الخليجية للهجوم، وهو انتهاك صارخ للتضامن العربي الإسلامي وخيانة للقضية الفلسطينية.
وساهمت وسائل إعلام تابعة لهذه الدول، مثل العربية والحدث، في تبرير العدوان عبر التركيز على “تهديد إيران” وتجاهل جرائم الكيان، محاولين تصوير العدوان كـ”دفاع عن النفس”. هذا السرد، المدعوم سياسيًا وماليًا، يوضح أولوية المصالح السياسية والاقتصادية على القضية الفلسطينية.
فضلاً عن ذلك، تحولت بعض الأنظمة إلى شركاء استراتيجيين مع الكيان عبر اتفاقيات تسليح وتعاون استخباراتي، مما عمّق الانحراف عن دعم فلسطين وأضعف محور المقاومة، في ظل ضغوط أميركية ووعد بمكاسب اقتصادية.
د. الدعم الشعبي: نبض الأمة العربية مع إيران
بينما اتخذت الأنظمة مواقف سلبية، أظهرت الشعوب العربية دعمًا قويًا لإيران ومحور المقاومة. تظاهرات واسعة في الأردن، لبنان، العراق واليمن عبرت عن تضامن شعبي حقيقي. في عمان، شارك أكثر من 100 ألف في مظاهرة تحت شعار “إيران، فلسطين، المقاومة”. هذه الفعاليات التي غطتها شبكات مثل الميادين تكشف عن فجوة كبيرة بين شعوب الأمة ونخبها الحاكمة.
في العراق، أصدرت فصائل المقاومة مثل كتائب حزب الله بيانات دعم للرد العسكري الإيراني، وأعلنت استعدادها للانضمام إلى العمليات ضد الكيان. وفي اليمن، أظهرت هجمات أنصار الله على إيلات إصرار الشعب اليمني على الوفاء لقضية فلسطين رغم الحصار والحرب.
حتى في دول طبّعت مع الكيان مثل مصر، الإمارات والبحرين، شهدت احتجاجات متفرقة رغم القمع، مما يدل على وعي عربي متجدد ورفض لخيانة النخب.
هشتاغات مثل #إيران\_قوية و#فلسطين\_حرة كانت رائجة على منصات التواصل، وحققت ملايين المشاهدات، مؤكدين أن الشعوب العربية لا تزال ملتزمة بالقضية الفلسطينية ومحور المقاومة رغم خذلان حكوماتهم.
هـ. جذور الأزمة: النخب الحاكمة أم الثقافة السياسية؟
تكمن جذور خيانة بعض الأنظمة لمحور المقاومة في الثقافة السياسية السائدة، حيث يفضل القادة العرب الحفاظ على سلطتهم ومصالحهم الشخصية على حساب مصالح الأمة والقضية الفلسطينية. هذا التوجه، المدعوم بالاعتماد على الغرب وخاصة الولايات المتحدة، حول بعض الدول إلى أدوات لمواجهة إيران ومحور المقاومة. اتفاقات مثل أبراهام تجسد هذا الانحراف الاستراتيجي الذي حوّل فلسطين إلى ورقة في صفقات سياسية واقتصادية.
في المقابل، أثبتت الشعوب العربية أن وعيها حي. دعمها الواسع لإيران خلال العدوان يظهر ارتباطًا عميقًا بالقضية الفلسطينية. هذا الدعم، الذي بلغ ذروته في لبنان، العراق واليمن، يبرهن أن محور المقاومة بقي موثوقًا لدى الشعوب حتى مع خذلان الأنظمة.
لكن الفجوة بين الشعوب والنخب الحاكمة تمثل تحديات. قمع الاحتجاجات وتقييد الإعلام في بعض الدول يعيق تحوّل الدعم الشعبي إلى قوة سياسية فعالة. هذا يؤكد الحاجة إلى تنظيم أفضل وخلق منصات تسمح بصوت عربي حقيقي في مواجهة خيانة الأنظمة.
الخاتمة
الأمر لا يقتصر على عداء بعض الأنظمة العربية لإيران، بل هو انكفاء عن الذات، وتغريب عن التاريخ، وتخلي عن أهم قضايانا، فلسطين. خلال العدوان الصهيوني-الأمريكي في يونيو 2025 الذي استمر 12 يومًا، وقفت إيران وحدها بصلابة وردّت بقوة عبر عملية “وعد صادق 3”. في المقابل، اختارت بعض الأنظمة، خصوصًا المطبّعة، الصمت أو الدعم الضمني للعدوان، وهو خيانة متجذرة في مصالح سياسية واقتصادية، متناقضة مع مواقف الشعوب العربية التي عبرت عن دعمها الواضح لإيران ومحور المقاومة. رغم الخلافات مع بعض الدول العربية، تظل إيران شوكة في ظهر المشروع الصهيوني، وهذا وحده يستحق التقدير. قد تكون الخيانة في السياسة أمرًا مألوفًا، لكن الخيانة للقيم والقضية الفلسطينية تبقى خطيئة لا تغتفر في ذاكرة الأمة العربية.