القسم السياسي

تقرير تحليلي أمني حول مخطط “الفتنة الناعمة” لتفكيك النظام الإسلامي في إيران من الداخل

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

مقدمة:

تواجه الجمهورية الإسلامية في إيران حرباً شاملة متعددة الأبعاد، تجاوزت الأطر العسكرية والاقتصادية لتبلغ مستوىً أخطر: محاولة إسقاط النظام من الداخل. يُعرف هذا المخطط باسم “الفتنة الناعمة”، وهو يعتمد على أدوات الحرب النفسية والإعلامية، ويُدار باحتراف عالٍ من قبل الأجهزة الاستخبارية للكيان الصهيوني وأذرعه، بالتعاون مع قوى دولية وإقليمية.

تم إعداد هذا التقرير بهدف تحليل مكونات هذا المخطط من المنظور الأمني، وتقديم اقتراحات عملية ووضع برنامج عملياتي لإفشاله، وكشف الجهات الفاعلة والجواسيس والخونة المتورطين فيه.


القسم الأول: ضرب وحدة المجتمع الإيراني من خلال خلق الانقسام

يُعدّ تفكيك النسيج الاجتماعي الإيراني من الأهداف الأساسية للفتنة الناعمة. وتُستخدم استراتيجيات دقيقة لزرع الانقسامات العمودية (بين الشعب والقيادة) والأفقية (بين مكونات المجتمع).

الأدوات المستخدمة:

  • تضخيم الفروقات العرقية والمذهبية:

    يتم استغلال التنوع العرقي والمذهبي (الفرس، الأتراك، الأكراد، البلوش وغيرهم) عبر روايات تدّعي تهميش بعض المكونات، ويتم نشرها من خلال قنوات خارجية بلغات محلية لكسب الثقة.

    مثال: إثارة قضايا “حقوق الأقليات” أو “توزيع الثروات” لزرع الغضب والانقسام.

  • تسويق الروايات الزائفة:

    تُنتج محتويات إعلامية تُظهر بعض القوميات كضحايا للسياسات المركزية دون الإشارة إلى الخلفيات الوطنية أو القانونية.

  • الترويج لقيادات بديلة تابعة:

    يُروَّج لأشخاص يدّعون “الإصلاح” أو “المعارضة الوطنية” بينما هم مرتبطون بأجهزة أجنبية، ويستخدمون خطاباً وطنياً ظاهرياً لكنه يهدف لزرع الشكوك في شرعية النظام.

وسائل النشر:

  • شبكات التواصل (يوتيوب، إنستغرام، تيليغرام)
  • بودكاستات ذات طابع “محايد”
  • تمويل غير مباشر عبر منظمات غير حكومية وغطاءات إعلامية مدعومة من دول معادية

التأثيرات الأمنية:

  • تصاعد التوترات المجتمعية
  • تآكل الثقة بين الشعب والنظام، مما يسهل اختراق الجبهة الداخلية

القسم الثاني: التشكيك في القوى السياسية والشرعية الدينية

هذا المحور يستهدف نزع الثقة من المؤسسات السياسية والدينية، خصوصاً تلك الخاضعة لولاية الفقيه.

أدوات الهجوم:

  • إثارة الشبهات حول ولاء القادة:

    نشر شائعات عن خلافات داخلية بين الحرس الثوري والحكومة أو بين العلماء والنظام، عبر وسائل إعلام أجنبية.

  • إظهار القادة الدينيين كأدوات للسلطة:

    الترويج بأنهم يستخدمون الدين للسيطرة على الشعب، عبر نشر تقارير عن “الفساد” أو “سوء الإدارة” دون دلائل موثوقة.

  • نشر الأكاذيب حول خلافات خيالية:

    الادعاء بوجود صراعات داخل مراكز صنع القرار (بين القيادة والحكومة أو البرلمان).

الأدوات:

  • إعلام موجه (قنوات مثل “إيران إنترناشيونال” و”من وتو”)
  • محللون “مزيفون” ناطقون بالفارسية
  • وثائق مزيفة تُظهر “فساداً” أو “انقسامات”

التأثيرات الأمنية:

  • تآكل شرعية النظام
  • تسهيل الانقياد وراء الحملات المعادية

القسم الثالث: الوحدة 8200 – مطبخ الحرب النفسية الصهيونية

الوحدة 8200 التابعة للاستخبارات العسكرية الصهيونية تُعتبر رأس الحربة في تنفيذ الحرب النفسية ضد إيران، بالتعاون مع أجهزة غربية.

استراتيجيات العمل:

  • تضخيم قدرات العدو:

    نشر تقارير مبالغ فيها عن القدرات العسكرية والتقنية للعدو لزرع الخوف.

  • زرع الشك في قدرات إيران:

    التقليل من قدرات إيران الدفاعية والمقاومة واتهامها بالعجز عن مواجهة التهديدات.

  • بثّ مشاعر اليأس:

    التركيز على العقوبات، وعرض المواجهة مع الغرب كخيار خاسر.

وسائل التنفيذ:

  • قنوات يوتيوب ومواقع تديرها أجهزة خارجية
  • اختراق الشبكات لنشر محتوى مضلل
  • حسابات وهمية تروّج لخطاب “الانهيار”

النتائج:

  • ضعف المعنويات داخل الشعب والمؤسسات
  • تضخيم شعور الضعف العام

القسم الرابع: الإنذار من “صنّاع المحتوى” المرتبطين بالأعداء

صنّاع محتوى يعملون كأدوات ناعمة لمشاريع معادية:

  • نقد مُقنّع بالهجوم:

    يستخدمون خطاباً نقدياً ظاهرياً يجذب الجمهور لكنه يُوجّه ضد النظام بشكل منهجي.

  • التشكيك في كفاءة القيادة الدينية:

    الترويج لفكرة أن “الدين لا يصلح لإدارة الدولة”.

  • إعادة تغليف روايات العدو:

    عرض روايات العدو بلغة محلية عاطفية لتحفيز المشاعر.

الأدوات:

  • يوتيوب، إكس (تويتر سابقاً)، إنستغرام
  • شبكات تأثير داخلية وخارجية
  • تمويل أجنبي عبر قنوات سرية

النتائج:

  • نشر الشكوك والانقسام
  • ضرب ثقة الجمهور بالنظام

القسم الخامس: الاختراق الإعلامي والأمني كجزء من الحرب

التكتيكات:

  • زرع التفرقة بين المؤسسات:

    استغلال الخلافات السياسية لزرع الشكوك بين الجهات الرسمية.

  • زرع الشبهات داخل النظام:

    إثارة الخوف من وجود عملاء مزروعين لزرع التوتر داخل النظام.

  • استهداف الحاضنة الشعبية:

    تشويه صورة النظام كعاجز عن حماية مصالح شعبه.

الأدوات:

  • عمليات قرصنة إلكترونية
  • تجنيد سري داخل وخارج إيران
  • وسائل إعلام ممولة من الخارج

النتائج:

  • تفكك داخلي
  • زعزعة الاستقرار السياسي والاجتماعي

الخطة العملياتية لإفشال المخطط وكشف العملاء

المحور الأول: تعزيز الأمن الداخلي

  • تطوير قدرات مكافحة التجسس وتحليل المحتوى الرقمي
  • رقابة تقنية على المنصات الرقمية
  • تشديد القوانين ضد المتعاونين مع أجهزة أجنبية

المحور الثاني: مواجهة الحرب النفسية

  • حملات توعوية عن إنجازات النظام
  • تدريب إعلاميين شباب لنشر الرواية الوطنية
  • لقاءات بين الشعب والقيادة لكسر الشائعات

المحور الثالث: كشف العملاء والجواسيس

  • تفعيل شبكات المراقبة الشعبية
  • بناء قواعد بيانات وتحليل سلوك الأفراد
  • التعاون مع محور المقاومة لتبادل المعلومات

المحور الرابع: تعزيز الوحدة الوطنية

  • حلّ الأزمات الاجتماعية بسرعة
  • إبراز الهوية الوطنية والإنجازات
  • إشراك الشباب في السياسات الوطنية

توصيات لصناع القرار

  1. إنشاء غرفة عمليات مشتركة تضم الاستخبارات، الحرس، ووزارة الثقافة.
  2. تطوير استراتيجية إعلامية هجومية لكشف روايات العدو وتمويله.
  3. تعزيز الأمن السيبراني وإنشاء وحدات هجومية دفاعية.
  4. تنظيم مؤتمرات وطنية لتعزيز ثقة الشعب بالقيادة.
  5. تفعيل الدبلوماسية الأمنية مع حلفاء مثل روسيا، الصين، كوريا الشمالية، حزب الله، أنصار الله…

الختام:

إنّ “الفتنة الناعمة” ليست مجرّد حملة إعلامية، بل هي حرب متعددة المستويات تهدف إلى تفكيك النظام الإسلامي الإيراني من الداخل. ولكن هذه المؤامرة ستفشل كما فشلت سابقاتها، إذا ما تمّ تفعيل الوعي، وتعزيز الوحدة، والاعتماد على القدرات الذاتية والثقة المتبادلة بين الشعب وقيادته.

﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ﴾ (المنافقون: 4)

والنصر حليف الأمة التي تتوحّد في وجه أعدائها.


 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى