أخبار العالم

فوضى في السويداء؛ من إذلال جولاني إلى إحياء مشروع إسرائيل لتقسيم سوريا

مع انتشار الفوضى في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية في سوريا، وفي ظل عجز وسياسات القمع التي تنتهجها حكومة جولاني، عاد النظام الصهيوني مجددًا إلى الساحة لتنفيذ مشروعه في تقسيم سوريا، وذلك وسط الأخبار المتداولة حول تطبيع وشيك مع دمشق.

بحسب تقرير موقع صوت سما الإخباري؛ قضية قمع الطائفة الدرزية في محافظة السويداء الواقعة في أقصى جنوب سوريا من قبل حكومة أبو محمد جولاني، عادت لتتصدر الأحداث البارزة في البلاد، وذلك في ظل استمرار اعتداءات الاحتلال الصهيوني على مناطق مختلفة من سوريا، وبينما تتداول الأنباء حول تطبيع وشيك للعلاقات بين دمشق وتل أبيب.

حملة الجيش والوحشية التي يمارسها عناصر جولاني في السويداء

أصدرت مصادر محلية سورية صوراً تظهر دبابات تابعة لعناصر الحكومة الجولانية وهي تهاجم بشكل عشوائي منازل المدنيين في وسط مدينة السويداء، كما وردت تقارير عن اختطاف مواطنين سوريين على يد تلك العناصر.

وأفادت المصادر بأن ما يجري اليوم في السويداء يشبه الجرائم التي ارتكبت في الساحل السوري ضد العلويين، والتي راح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى. إذ تقوم عناصر جولاني بإعدامات منظمة بحق الدروز في أحياء مختلفة، حيث تشير آخر الإحصائيات إلى سقوط ما لا يقل عن 100 قتيل وأكثر من 200 جريح منذ اندلاع الاشتباكات أمس.

إسرائيل ومشروع تقسيم سوريا عبر فوهة جرائم جولاني

تحولت الاشتباكات في السويداء، التي كانت نزاعاً داخلياً سوريا في البداية، بسرعة إلى ساحة إقليمية متشابكة، في حين أن الاحتلال الصهيوني الذي بدأ تدخلاته منذ سقوط الحكومة السورية السابقة، وكرر نواياه بتقسيم سوريا، يستغل ذريعة حماية الطائفة الدرزية وسط الفوضى وعدم الاستقرار الذي تسببت به حكومة جولاني، ليسعى لاقتناص فرصة لتقدم مشروعه التقسيمي في سوريا ومن ثم في باقي الدول العربية.

وفي هذا السياق، شنت قوات الاحتلال الصهيوني أمس هجمات جوية متكررة على محافظة السويداء، وأعلنت أنها استهدفت دبابات سورية بين مدينتي صجين والسميع في ريف السويداء. ونقل إذاعة جيش الاحتلال عن مسؤول عسكري قوله إن الهجوم على الدبابات جاء رداً على هجمات استهدفت الدروز.

وأشار مصدر أمني صهيوني لشبكة القناة 12 الإسرائيلية إلى أن الدبابات السورية عبرت الخط الحدودي الذي حدده الاحتلال داخل سوريا، مما دفع المقاتلات الإسرائيلية لمهاجمتها. كما صرح وزير حرب الاحتلال يسرائيل كاتس بأن الجيش الإسرائيلي قصف أهدافاً في سوريا، وأكد أن هذه الضربات رسالة تحذيرية واضحة للحكومة السورية، مدعياً أن إسرائيل لن تسمح بإيذاء الدروز في سوريا ولن تبقى صامتة حيال ذلك.

وأفادت وسائل الإعلام السورية اليوم بهجمات جديدة لطائرات الاحتلال على السويداء، أسفرت عن خسائر بشرية لم يتم الإعلان عن أرقامها بدقة بعد.

وأصدر بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال، ويسرائيل كاتس وزير الحرب، بياناً مشتركاً قالا فيه: طلبنا من الجيش الإسرائيلي مهاجمة قوات وأسلحة الجيش السوري التي دخلت إلى السويداء.

وادعى الاحتلال أن دخول القوات والأسلحة إلى السويداء يتعارض مع مبدأ المنطقة منزوعة السلاح ونزع السلاح فيها.

وأفادت وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا) التابعة لحكومة جولاني بأن طائرات الاحتلال الصهيوني استهدفت مدينة السويداء للمرة الثانية اليوم.

وبالنظر إلى تحركات وأهداف الاحتلال منذ تولي حكومة جولاني زمام الأمور في سوريا، يتضح تماماً أن الدروز يُستخدمون ذريعة لتنفيذ المشروع الانفصالي لهذا النظام في سوريا، وأن إسرائيل لا تبالي أبداً بمصير الدروز.

تهديدات الاحتلال للحكومة السورية في ظل التطبيع وذروة مهانة جولاني

في هذا السياق، لا يمكن تجاهل دور الولايات المتحدة في دفع أجندة الانفصال في سوريا، حيث تلعب واشنطن الدور الرئيسي. وتأتي هجمات الاحتلال وتهديداته للحكومة الجولانية في وقت تنتشر فيه تقارير كثيرة عن لقاءات بين جولاني ومسؤولين تابعين له مع مسؤولين صهيونيين، ويتحدث الإعلام العربي والعبراني عن توقيع قريب لاتفاق تطبيع برعاية أمريكية. وهو الأمر الذي تحدث عنه تام باراك، المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا، مرات عدة.

ومع ذلك، خلافاً لتصريحات باراك التي يؤكد فيها التزام أمريكا بوحدة الأراضي السورية، تستمر واشنطن والاحتلال في اتباع سياسة تفرقة وتقسيم سوريا، مع توسيع نفوذهما تدريجياً داخل البلاد، وتحريض الفصائل المختلفة والمعارضة سرّاً. وتشبه استراتيجيتهم في سوريا زراعة ألغام عن بُعد يمكن تفجيرها في أي وقت.

وترتبط سياسة الانفتاح الأمريكية على الحكومة الجديدة التي يرأسها أبو محمد جولاني بشروط منها حيادية سوريا تجاه النزاعات الإقليمية ومنح تنازلات لإسرائيل، بحيث يجب على حكومة جولاني الاعتراف باحتلال إسرائيل لهضبة الجولان وعدم المطالبة بها.

في الوقت ذاته، تستمر اعتداءات الاحتلال على جنوب سوريا، حيث تسيطر إسرائيل فعلياً على مساحات واسعة من الجنوب وخاصة محافظة القنيطرة، بل وتدير مكاتب المحافظة تحت سيطرتها، كما تتكرر اعتداءات القوات الاحتلالية على منازل السوريين، وتشمل عمليات تخريب واختطاف وقتل دون أي رد فعل من حكومة جولاني.

ومن اللافت أن الاحتلال الإسرائيلي، بينما يسعى لعقد اتفاق تطبيع مع الحكومة المؤقتة برئاسة جولاني، يهددها في الوقت ذاته، ويسعى للتواصل مع معارضيها، وتأتي تحركات الاحتلال الأخيرة في السويداء في هذا الإطار، لكن هدفها ليس حماية الدروز، بل تأجيج التوتر والفوضى في المحافظة.

اللعبة القديمة والخطيرة لإسرائيل في أرض الدروز

بعد حرب 1967، بذل الاحتلال جهوداً حثيثة لتحريض الدروز على التمرد ضد الحكومة السورية، لإحداث شرخ في التحالف العربي الذي كان يقف ضد إسرائيل.

واستمرت هذه المخططات الصهيونية ولم تتراجع، وبقيت قضية الدروز ضمن جدول أعمال حكومات الاحتلال التي راهنت على الدروز الفلسطينيين، حيث استطاع الاحتلال استقطاب موفق طريف، زعيم الطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة، المعروف بالتعاون مع المخابرات الصهيونية (الموساد)، والذي تُشير التقارير العبرية إلى أنه سيشرف على مشروع نقل الغاز من شمال سوريا إلى فلسطين المحتلة بعد بشار الأسد.

ومع مرور الوقت، تبين أن موفق طريف ليس وحيداً في ارتباطه بالاحتلال، بل يملك شبكة تضم أفراداً يعملون في مؤسسات الجيش والاستخبارات الإسرائيلية، وأصبح لاعباً سياسياً بارزاً ينسق العلاقات العربية والدولية وينفذ أوامر إسرائيل مقابل تمويل.

ومنذ بداية الأزمة الإرهابية والحرب العالمية التي تقودها واشنطن ضد سوريا قبل نحو 14 عاماً، تمكن موفق طريف وفريقه من توسيع نفوذهم في السويداء، وبعد سقوط حكومة بشار الأسد تصرفوا مع الاحتلال وكأن موسم الحصاد قد حان، حيث يُنظر إلى الدروز اليوم كخط أمامي لتحقيق أهداف إسرائيل.

وترى إسرائيل السيطرة على الدروز السوريين بوابة للسيطرة على مجتمعات الدروز في دول عربية أخرى، مثل لبنان، والعمل على تقسيمهم تدريجياً، وهو أمر حذر منه وليد جنبلاط، زعيم الطائفة الدرزية اللبنانية ورئيس الحزب الاشتراكي التقدمي سابقاً.

ابتزاز إسرائيل للسوريين في ظل عجز حكومة جولاني

موقف الولايات المتحدة تجاه حكومة جولاني مشابه لموقف الاحتلال، حيث تحافظ واشنطن على علاقات قوية مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي لا تزال على خلاف مع الحكومة الجولانية. وتهديدات الاحتلال لضرب السويداء تهدف إلى إخافة الدروز السوريين، ودفعهم إلى إقامة علاقات رسمية مع تل أبيب عبر «موفق طريف» ذاك العميل المعروف، ما يعني ضم المزيد من الأراضي السورية إلى إسرائيل.

وبالتالي، فإن الاحتلال الأمريكي والصهيوني يمارسان بشكل علني سياسة الابتزاز تجاه الطوائف السورية تحت ذريعة مختلفة.

آراء وتحليلات

يرى سليمان الكفيري، الخبير والناشط الحقوقي العربي، أنه رغم ادعاءات حكومة جولاني بمحاولة فرض الأمن عبر الحوار وتوسيع سلطتها، إلا أن الفوضى التي نراها في السويداء لا يمكن تبريرها.

وفي حوار مع قناة الجزيرة قال الكفيري إن عدم تنفيذ التزامات الحكومة الجديدة مع الشخصيات البارزة في المنطقة خلال الشهر الماضي زاد من تفاقم حالة عدم الثقة، خصوصاً مع استمرار الفوضى الأمنية على الطرق الحيوية.

من جانبه، قال مهند مصطفى، أستاذ جامعي وخبير في شؤون الاحتلال الصهيوني، إن أزمة الفوضى في سوريا ليست محصورة بالبعد الداخلي فقط، بل تستغل إسرائيل أي فرصة لتقسيم سوريا وتبرير وجودها العسكري، وتحويل الجنوب إلى منطقة عازلة تمنع عودة السيادة السورية الكاملة. وأضاف أن ذريعة حماية الدروز تكشف عن استراتيجية خطيرة هدفها تفكيك الضعف والفوضى في الجنوب سياسياً وأمنياً، وأن النزاعات الداخلية في سوريا، ومنها السويداء، تمثل اختباراً حقيقياً لقدرة الحكومة الجديدة على استعادة السيادة.

أما حسن الدغيم، كاتب ومحلل سياسي عربي، فأكد أن الحكومة السورية تتبع سياسة طائفية تجاه الدروز، ولم تلبي حاجات محافظة السويداء.

الخطر الكبير الذي شكله جولاني على وجود سوريا

المشكلة العميقة لحكومة جولاني هي عدم قدرتها على توسيع سيطرتها على سوريا، حيث أصبحت أمريكا والاحتلال مسيطرين على البلاد، وجولاني تابع لهما بالكامل، مما جعل حتى مؤيديها الأصليين يرون أن هذه الحكومة غير مؤهلة لإدارة البلاد، وأن السيناريو الخطير الذي نفذته إسرائيل منذ 76 عاماً في فلسطين قد يتكرر في سوريا.

ويخشى السوريون من أن سوريا ستظل في حالة فوضى وصراع دائم بسبب الاحتلال الإسرائيلي المستمر، وانصياع الحكومة الجديدة التي لا تتردد في تقديم أراضيها للاحتلال وتوقيع اتفاقيات تطبيع معه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى