الابتزاز السياسي من خلال وثائق إبستين: بصمات الموساد ودور ترامب

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
علامات وأدلة متزايدة تشير إلى أن جهاز الاستخبارات التابع للنظام الصهيوني حصل على وثائق حساسة تُشير إلى اسم دونالد ترامب كأحد الأشخاص المرتبطين بقضية جيفري إبستين؛ التاجر الأمريكي الذي كان يدير شبكة واسعة من الاتجار الجنسي والاستغلال الجنسي للفتيات القاصرات لخدمة النخب السياسية والمالية العالمية. هذه الوثائق التي تم الكشف عن أجزاء منها في السنوات الأخيرة، تحتوي على معلومات استخباراتية دقيقة تُستغل اليوم كأدوات للابتزاز السياسي وممارسة النفوذ.
وفقاً لما نقل عن القاضي الأمريكي البارز أندرو نابوليتانو، فإن جهاز الموساد حصل على معلومات تؤكد وجود ترامب ضمن المستفيدين أو المرتبطين بأنشطة إبستين. وقد نُقلت هذه المعلومات إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، التي تعاملت بحذر مع القضية، لكنها أرسلت رسائل واضحة وتحذيرية إلى ترامب مفادها أن المحتوى الموجود في هذه الوثائق يمكن استخدامه ضده إذا لزم الأمر. هذا الوضع وضع ترامب في حالة قلق عميق، لأنه يدرك الآن أن مستقبله السياسي يعتمد على توازنات تتجاوز الحدود الداخلية للولايات المتحدة.
أندرو نابوليتانو: صوت القانون في مواجهة الحكومة الخفية
يُعد القاضي أندرو بيتر نابوليتانو أحد أبرز الشخصيات القضائية والفكرية في الولايات المتحدة المعاصرة؛ شخصية وقفت بشجاعة في وجه هيمنة الحكومة الخفية على هيكل اتخاذ القرار في أمريكا، خاصة ضد التوسع غير المنضبط لنفوذ أجهزة الأمن والاستخبارات التي تنتهك الحقوق الدستورية الأساسية. وُلد نابوليتانو عام 1950، وأكمل دراسته في جامعة برينستون، ثم حصل على شهادة القانون من جامعة نوتردام. خدم نابوليتانو بين 1987 و1995 كقاضٍ في المحكمة العليا لولاية نيوجيرسي، وأصبح من الأصوات القانونية الموثوقة في تفسير الدستور الأمريكي والدفاع عن الحريات المدنية.
من مقعد القضاء إلى المنبر الإعلامي
بعد تركه القضاء، دخل نابوليتانو مجال الإعلام ولعب دوراً محورياً كمحلل قانوني وناقد سياسي في عدة شبكات، منها “فوكس نيوز”. تجاوز دوره المعلق السياسي العادي، وبرز بعقلية قانونية تركّز على التفصيل الدقيق في سياسات الأمن القومي الأمريكية، حيث كشف العديد من الانتهاكات غير القانونية التي نفذتها مؤسسات حكومية تحت ذريعة “الأمن القومي”.
كان من أوائل المنتقدين الصريحين لوكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) بسبب التجسس الواسع على المواطنين الأمريكيين. كما وقف بحزم ضد تمرير قوانين استثنائية تسمح بالاعتقالات التعسفية دون رقابة قضائية. وطالب مراراً بتقليل صلاحيات وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، وندد باستخدام الجهاز القضائي كأداة سياسية لإقصاء المنافسين.
نابوليتانو وقضية ترامب-إبستين: اتهام لم يعد خفياً
في هذا السياق الصريح، أشار نابوليتانو إلى تدخل جهاز الموساد في ابتزاز دونالد ترامب من خلال وثائق جيفري إبستين. أكد أن الموساد يملك ملفاً حساساً يربط ترامب بأنشطة إبستين، وأن هذا الملف قُدم جزئياً لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية التي أرسلت تحذيرات واضحة لترامب تفيد بأن هذا الملف يمكن أن يُستخدم ضده إذا خرج عن الدور المحدد له مسبقاً.
الأشخاص الملمون بأسلوب نابوليتانو في التعاطي مع الحكومة الخفية لا يتفاجؤون من تصريحاته، فهو يؤمن بأن شبكات الابتزاز المبنية على الفضائح الجنسية، خاصة تلك التي تتعلق بالفتيات القاصرات، ليست مجرد انحرافات فردية، بل أدوات منظمة تستخدمها أجهزة الاستخبارات، وعلى رأسها الموساد، للتغلغل في مستويات السلطة العليا في واشنطن.
بين إبستين والموساد: تقاطعات لم تُغلق بعد
في تحليلاته السابقة، ألمح نابوليتانو إلى أن ثروة إبستين ونمط حياته وشبكة علاقاته الدولية لا يمكن تفسيرها دون افتراض دعم من جهاز استخبارات خارجي. وأشار إلى دعم موسع من خارج الولايات المتحدة. وفي قضية “غيسلين ماكسويل”، ابنة “روبرت ماكسويل” المرتبط تاريخياً بالموساد، كان موقف نابوليتانو واضحاً: ما يحدث ليس مصادفة، بل عملية معلوماتية منظمة تجمع معلومات من خلال الجنس، تسجيلات سرية، وخداع تستهدف أهدافاً استراتيجية.
ظهور اسم ترامب في وثائق إبستين، إلى جانب تصريحاته القديمة التي أشاد فيها بـ “ذوقه في النساء الشابات”، يضيف أبعاداً خطيرة للقضية، خاصة إذا تأكد أن الموساد قدم بعض هذه المعلومات فعلياً لوكالة الاستخبارات الأمريكية، ما يشبه تهديداً صريحاً لترامب.
لماذا نصدق نابوليتانو؟
ليس لأنه يحمل ضغينة شخصية تجاه ترامب، بل لأنه يمتلك خلفية قضائية دقيقة وشجاعة فكرية نادرة. نابوليتانو لم يكن يوماً من محبي الإثارة أو التضليل، بل استند دوماً إلى نصوص الدستور، مصادر قانونية، ومنهج تحليلي هادئ. لذا حين يتحدث عن ابتزاز سياسي عبر شبكة إبستين، لا تُعتبر تصريحاته مجرد إشاعات، بل تحذير من رجل يعرف كيف تُدار الملفات السوداء خلف الكواليس.
ماذا ينتظر ترامب؟
بالنظر إلى هذه المعلومات، يبدو أن ترامب يتحرك بحذر شديد. لهجته العدائية تجاه الأجهزة الحكومية ومحاولاته للهيمنة على الحزب الجمهوري قد تكون محاولات استباقية لحماية نفسه من انفجار محتمل لهذا الملف. من جهة أخرى، يعلم الموساد جيداً أن ورقة الضغط هذه لا يجب استخدامها دفعة واحدة، بل يتم الاحتفاظ بها لاستخدامها في اللحظة المناسبة للتحكم برئيس لا يريد أن يتحرك ضمن المعادلات التقليدية.
إبستين: خزينة الأسرار المحظورة
منذ عام 2019، بدأت أبعاد شبكة جيفري إبستين تكشف تدريجياً؛ وثائق المحكمة وشهادات متعددة أثبتت أنه كان على رأس عصابة منظمة استغلت فتيات قاصرات وقدمتهن لشخصيات بارزة في السياسة والاقتصاد والإعلام. في مركز هذه الشبكة، كان لإبستين دور مزدوج: تقديم خدمات جنسية مقابل بناء أرشيف من الصور، الملفات، والمعلومات السرية التي استُخدمت لاحقاً كأداة ضغط.
البيانات المجمعة تشير إلى أن إبستين لم يكن يعمل منفرداً، بل كجزء من نظام استخباراتي غير محلي مهمته بناء شبكة علاقات نفوذ عبر الحدود. من بين أجهزة الاستخبارات المشتبه بها، يبرز اسم الموساد الذي يبدو أنه استغل إبستين كوسيط لتوريط شخصيات أمريكية في فضائح موثقة، مما يوفر له أداة للتحكم بمستقبلهم.
غيسلين ماكسويل: الحلقة الوصل
شريكة إبستين، غيسلين ماكسويل، أدينت باتهامات واضحة وجلية بتجنيد فتيات قاصرات، ولكن الأهم من هذه الاتهامات هو خلفيتها العائلية وتاريخها؛ فهي ابنة روبرت ماكسويل، تاجر بريطاني له علاقات وثيقة مع أجهزة الاستخبارات، خاصة الموساد. هذا الرابط العائلي يكشف طبيعة دور ماكسويل داخل الشبكة ويعزز فرضية التجنيد والاختراق المنظم. ما حدث لم يكن انحرافاً فردياً، بل عملية معلوماتية محكمة.
ترامب وإبستين: من المجاملات إلى التلوث
تظهر وثائق المحكمة وشهادات الضحايا ومقربي إبستين أن ترامب كان جزءاً من شبكة علاقات إبستين. بعض الضحايا أفادوا بزيارات إلى ممتلكات كانت تخص ترامب، وقالوا إن إبستين حاول تقريب بعض الفتيات منه. موظف سابق لدى إبستين أكد أن ترامب كان ضيفاً في منزل إبستين في فلوريدا، وأحد الضحايا شهد أن إبستين أراد أن يأخذها إلى أحد كازينوهات ترامب في أتلانتيك سيتي، رغم أن ترامب لم يتلق خدمات مباشرة منه.
في 2002، قال ترامب في تصريح شهير: “إبستين رجل استثنائي. يحب الفتيات الجميلات والكثير منهن صغيرات السن.” هذا التصريح العلني أصبح دليلاً في تحليل شخصية ترامب وميوله تجاه هذه السلوكيات، على الأقل كدليل على التسامح أو القبول غير الرسمي.
مع تصاعد الضغوط، حاول ترامب لاحقاً الابتعاد عن إبستين وادعى قطع علاقته به، لكن الوثائق والأدلة تروي قصة مختلفة، والدوائر السياسية في أمريكا تعرف الطبقات الخفية لهذه العلاقة.
لماذا تدخل جهاز الاستخبارات الصهيوني؟
الموساد لا يعمل بلا هدف. استخدام وثائق إبستين في لعبة الابتزاز السياسي جزء من استراتيجية أوسع للتغلغل في عملية صنع القرار داخل الولايات المتحدة. وجود اسم ترامب في هذه الوثائق أعطى الموساد ورقة ضغط قوية ضد شخصية لها قاعدة شعبية واسعة وقادرة على تغيير التوازنات الداخلية.
نقل الموساد هذه المعلومات إلى السي آي إيه لم يكن استسلاماً كاملاً للملف، بل رسالة تهديد وتحذير: “نملك الحقيقة وسنفعلها وقتما نشاء.” من جانب آخر، تعاملت السي آي إيه مع هذه المعلومات كملف خطير لكنه ذو فائدة، وأبلغت ترامب بالرسالة: إما الطاعة أو الاستعداد للانفجار.
فضيحة محتملة تهدد مستقبل ترامب
الدوائر المقربة من ترامب في حالة توتر وحذر، تحاول منع تسرب المعلومات. إذا انكشفت هذه الفضيحة بصور أو شهادات موثقة، فقد تدمر آخر آمال عودة ترامب السياسية. رغم نجاته من فضائح كثيرة، إلا أن ارتباطه بشبكة استغلال قاصرات التي يديرها الموساد يُعتبر خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه في نظر الرأي العام الأمريكي، خاصة المستقلين والمحافظين التقليديين.
نهاية الصمت؟
بدأ الرأي العام العالمي يطرح أسئلة جدية: هل ستظل هذه الملفات مخفية إلى الأبد؟ من يملك المفاتيح؟ ولماذا تُرك ترامب معرضاً أمام جهاز استخباراتي أجنبي؟ لعبة الابتزاز هذه ليست بلا نهاية ولها ثمنها، وربما لحظة انفجار الحقيقة قد اقتربت، خاصة مع تصاعد الانقسامات السياسية داخل الولايات المتحدة نفسها.
إذا أردت، يمكنني مساعدتك في تلخيص هذا النص أو صياغته بأسلوب مختلف!