القسم السياسي

بعد دمشق: من الذي فهم، ومن الذي ضلّ الطريق؟

قال الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله): «ليعلم الجميع أن الأمور لن تبقى على هذا النحو؛ أن تأتي جماعة إلى دمشق وتعتدي على منازل الناس، ويقوم الكيان الصهيوني بالتقدم بالقصف والمدافع والدبابات».

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

في سوريا، تتواصل المنافسة السياسية الإقليمية بوتيرة متسارعة، وتتداخل فيها المصالح الدولية، مما يجعل التمييز بين الحق والباطل أمرًا معقدًا. ومع ذلك، فقد انتهجت إيران، بوصفها دولة استثنائية، إستراتيجية خاصة تتصدى للتحولات الجيواستراتيجية الكبرى، لا سيما بعد سقوط دمشق أواخر العام الماضي.

وفي هذه الأجواء الضبابية، برز الإمام والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله السيد علي خامنئي، ليس فقط كمراقب بصير، بل كمهندس لنبوءة إستراتيجية تفوق تحليل الأحداث، حيث كان قد تنبأ بنتائجها ووفقها بدقة.

في 21 كانون الأول 2024 (11 آذر 1403)، وبعد ثلاثة أيام فقط من سقوط الحكومة السورية بقيادة بشار الأسد، ألقى قائد الثورة خطابًا تاريخيًا قال فيه:

«ليعلم الجميع أن الأمور لن تبقَ هكذا، أن يأتي جماعة إلى دمشق ويعتدوا على منازل الناس، ويواصل الكيان الصهيوني التقدم بالقصف والمدافع والدبابات. لا شك أن شباب سوريا الأبطال سيثورون، وسيتصدون، حتى لو تكبّدوا ثمنًا، وسيتمكنون من التغلب على هذا الوضع. كما فعل شباب العراق الأبطال بعد الاحتلال الأمريكي، بعون وتنظيم وتنفيذ شهيدنا العزيز. قد تستغرق في سوريا وقتًا أطول، لكن النتيجة ستكون حتمية…»

هذه الكلمات لم تكن مجرد تحذير عابر، بل خارطة طريق لمواجهة المؤامرات الخطيرة التي تهدّد سوريا بعد الأسد، ومحاولة إنقاذ محور المقاومة من سيناريوات وتخطيط غربي–إسرائيلي.

أكد المرشد أيضًا أن:

«ما جرى في سوريا كان جزءًا من خطة أمريكية–صهيونية. ومقاومة الجبهة ستخرج أمريكا من المنطقة وتقتلع جذور الصهيونية».

وأشار إلى أن الأهداف كانت متعددة، منها إشعال جبهات جديدة ضد المقاومة وتهيئة هيمنة غير مباشرة عبر أدوات محلية. وقد سعت الأطراف المعادية إلى ذلك عن طريق خطط مثل ما طُرح في باكو، والذي عُرض على أحمد العشرع بأن يدخل السويداء بلا قتال كخطوة نحو لبنان، تمهيدًا لمعركة ضد حزب الله تحت شعار “استقلال القرار اللبناني عن إيران”، لكن هذا المخطط فشل.

عُقدت جلسات سرية حضرها مسؤول معلومات إسرائيلي، أظهرت أن جولاني والعشرع لم يكونا قادرين على تنفيذ المشاريع المرسومة، وبدأت إسرائيل بالتدخل جوًّا لمعاقبة من انحرف عن المهمة.

هذا يشير إلى أن إسرائيل لا تريد استقرارًا في دمشق، بل دولة مفككة يُحافظ فيها على حالة فوضى مستمرة تضمن مصالحها بمظلة أمريكية.

من ساهم في سقوط دمشق من جهات مثل قطر، تركيا أو السعودية وجدوا أنفسهم خائبين، لأن السيطرة الحقيقية بقيت بيد إسرائيل المدعومة من أمريكا. أما إيران ومحورها، بقيوا ثابتين، متشبثين بخطاب المقاومة الذي شدّد عليه المرشد بعد الاعتداءات الصهيونية–الأمريكية، ورفضوا التراجع.

من فهم النبوءة من ضلّ الطريق؟

تُثبت الوقائع اليوم صدق كلام قائد الثورة:

  • جولاني أصبح هدفًا غارةً تلو الأخرى من يافا،
  • المباني الحكومية في دمشق تم استهدافها،
  • قطر وأردوغان وابن سلمان وجدوا أن استثماراتهم الإعلامية لم تنجح.

في المقابل، استمرّت إيران ومحورها في سوريا والعراق ولبنان، البناء على أساس المقاومة والثبات، دعمًا لرؤية الإمام الخامنئي بأن من يقف مع مقاومتها سيبقى راسخًا، ومن يروّج للعاديّة والترفُّع، سيُداس بأقدام الصهاينة المدعومين أمريكيًا.

والرسالة واضحة: من يمكّن المقاومة ينال الثبات، ومن يُسامح التبدل يُدمَّر، لأن التاريخ يُعلم أن الاعتماد على الكيان الصهيوني لا يفضي إلا إلى الهزيمة والخراب، بينما تبقى المقاومة مشعل أمل الأمة الإسلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى