القسم السياسي

سلاح المقاومة؛ راية الحق في مواجهة الظلم

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

في الأيام الأخيرة، أصبحت مسألة “سلاح المقاومة” من أبرز القضايا الأساسية والمثيرة للجدل في الساحة السياسية والإعلامية؛ هذا السلاح الذي، وفقاً لمنطق الإسلام الأصيل، ليس أداة عدوان، بل هو مظهر للدفاع عن الحق، وصيانة لحرمة الإيمان والمظلومين. إنه تجلٍّ للإيمان بوعد الله، وتعبير عن الواجب الشرعي في مواجهة الظلم والاستكبار العالمي.

حركة المقاومة ترتكز على نصوص القرآن الكريم وسيرة أهل البيت عليهم السلام، وتمثّل امتدادًا للجهاد في سبيل الله من بدر وأحد إلى كربلاء وعصر الغيبة. هذا السلاح ليس في يد شخص أو جماعة كأداة للهيمنة، بل هو أمانة إلهية في يد المؤمنين لإقامة القسط وكسر جبهة الباطل، كما قال تعالى:
﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَکُونَ فِتْنَهٌ وَیَکُونَ الدِّینُ کُلُّهُ لِلَّهِ﴾ (الأنفال: ٣٩)
﴿وَلَا تَرْکَنُوا إِلَى الَّذِینَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّکُمُ النَّارُ﴾ (هود: ۱۱۳)

دراسة الروايات الناهية عن الخروج: من حيث السند والدلالة

يحاول البعض التشكيك في شرعية المقاومة المسلحة في عصر الغيبة عبر الاستناد إلى روايات تدعو إلى القعود وعدم القيام قبل الظهور. ولكن بالنظر الدقيق، نجد أن هذه الروايات لا تصمد من حيث السند أو الدلالة:

  1. ضعف السند: كثير من هذه الروايات، كحديث أبي الجارود أو أبي مرهف، ضعيفة السند ولا يمكن الاستناد إليها فقهياً. حتى الرواية المشهورة: «كل راية تُرفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت» الواردة في الكافي، وإن كانت معتبرة السند، إلا أن دلالتها تشير إلى الرايات الباطلة ومدّعي الإمامة الكاذبين، لا إلى كل حركة ضد الظلم.
  2. سياق الفتنة والغموض: صدرت هذه الروايات في أجواء فتنة حيث التبس وجه الحق. أما حين يظهر الظلم جليًّا، ويقع الاحتلال والاعتداء على دماء وأعراض المسلمين، فلا مجال للصمت؛ كما فعل الإمام الحسين عليه السلام حين قال:
    «ألا ترون أن الحق لا يُعمل به، وأن الباطل لا يُتناهى عنه؟»
  3. مخالفة الفطرة والشريعة: تحريم الدفاع حتى في حال الاعتداء على البيت والعائلة يتنافى مع فطرة الإنسان وأسس الشريعة. قال الله تعالى:
    ﴿وَقَاتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ الَّذِینَ یُقَاتِلُونَکُمْ﴾ (البقرة: 190)
  4. مدح بعض الرايات في الروايات: روايات كثيرة مدحت رايات اليماني وأهل قم ورايات خراسان، مما يدل على شرعية القيام ضد الظلم في عصر الغيبة، بشرط أن يكون تحت قيادة فقيه عادل جامع للشرائط.

القرآن وأهل البيت عليهم السلام أنصار المقاومة

العديد من آيات القرآن تدلّ بوضوح على مشروعية الجهاد ضد الظلم، منها:
﴿أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِیرٌ﴾ (الحج: 39)

كما أن سيرة أهل البيت عليهم السلام، وخصوصاً نهضة كربلاء، تمثّل أوضح شاهد على شرعية مقاومة الباطل من أجل حفظ الدين والكرامة. واليوم، تمثّل المقاومة استمرارًا لهذا النهج.

مكانة الفقيه العادل في عصر الغيبة

في زمن الغيبة، يُعتبر الفقيه العادل الجامع للشرائط نائبًا عن الإمام المهدي عليه السلام في قيادة الأمة. الروايات الناهية عن القيام تتحدث عن ظروف خاصة، مثل زمن التقيّة أو التحذير من مدّعي القيادة الكاذبين. أما المقاومة تحت إشراف الفقيه فهي جهاد مشروع وواجب. قال الإمام الصادق عليه السلام عن راية اليماني: “راية هدى”، وذمّ غيرها من الرايات.

الرد على الشبهات حول سلاح المقاومة

  • شبهة الدولة والاقتصاد: يدّعي البعض أن نزع سلاح المقاومة سيعزّز الدولة ويحسّن الاقتصاد. لكن التاريخ يثبت أن الاستسلام للاستعمار لم يؤدِّ إلا إلى نهب الثروات وانهيار الدول. المقاومة هي التي تحفظ الكرامة وتضمن الاستقلال.
  • شبهة عقائدية: يربط بعضهم المقاومة بفكرة انتظار سلبي للمهدي عليه السلام. بينما العقيدة المهدوية الأصيلة، كما جاء بها أهل البيت عليهم السلام، تدعو إلى الاستعداد والجهاد ونصرة الحق. قال الإمام الصادق عليه السلام:
    «كونوا دعاةً للناس بغير ألسنتكم…»، أي إن العمل الصالح والجهاد أفضل تبليغ للمهدي والدين.
  • شبهة الفتنة: الروايات الناهية عن الفتنة تتعلّق بالنزاعات الداخلية غير المنضبطة، لا بالمقاومة المنظمة ضد المحتلين والمعتدين، بقيادة فقيه شرعي.

المقاومة: درع الأمة

سلاح المقاومة ليس أداة للفرقة، بل درعٌ للأمة في مواجهة أعدائها الظاهرين. إنه استمرار لمسيرة أهل البيت عليهم السلام في الدفاع عن المظلومين ومواجهة الظالمين. الروايات التي تُستشهد بها ضد المقاومة، إما ضعيفة، أو لا علاقة لها بالجهاد المشروع ضد الاحتلال.

اليوم، المقاومة تحت قيادة فقيه عادل هي راية الحق، وواجب شرعي لحفظ كرامة الشعوب، والتمهيد لدولة العدل الإلهي.
قال الله تعالى:
﴿وَلَیَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ یَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ﴾ (الحج: 40)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى