الكيان الصهيوني بوصفه “المنقذ”!

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
ما يجري اليوم في جنوب سوريا هو مجموعة من التوترات الأمنية المخطط لها بعناية، أو انتفاضات محسوبة التنفيذ؛ تنفيذ دقيق لمسرحية تم تصميمها بإتقان في غرف مظلمة، خصوصًا في باكو، حيث عُقدت لقاءات رفيعة المستوى بين أحمد الشرع وممثلين عن أجهزة استخبارات إقليمية، بحضور شخصية بارزة من الكيان الصهيوني، بهدف وضع الأسس الأولية لمشروع جديد يهدف إلى توسيع النفوذ الصهيوني تحت غطاء «حماية الأقليات». ومن ثمّ، الدخول في حرب شاملة مع حزب الله والقوى الرافضة لـ«ضم طرابلس إلى سلطة الشرع».
إعداد أحمد الشرع: من الإرهاب إلى السياسة
في إطار هذا المخطط، الذي لا يُعد وليد اللحظة بل يعود إلى ما قبل سقوط النظام السوري السابق، يبرز الدور الأمريكي في إعادة تأهيل صورة أحمد الشرع، الذي كان يُعرف سابقاً باسم “أبو محمد الجولاني”، ليصبح أداة سياسية تخدم المشاريع الإقليمية، ومنها تمكين الكيان الصهيوني.
روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في دمشق، كشف في محاضرة ألقاها في أحد المراكز البحثية الأوروبية عن الدور غير المباشر لواشنطن في إعداد الشرع منذ عام 2023، حينما كان لا يزال يتزعم “هيئة تحرير الشام”. وأوضح فورد أن اللقاءات مع الشرع بدأت في مارس 2023 في إدلب، حيث وصف الحوار معه بأنه «حضاري ومنفتح»، مشيرًا إلى أن الشرع أبدى استعداده لتقديم نفسه كشخصية سياسية بعيدة عن ماضيه المتطرف. وأضاف: «بين عامي 2000 و2003 كنت في العراق، وفي ذلك الوقت كان هذا الشخص أحد القادة البارزين لتنظيم القاعدة في شمال العراق. ومنذ عام 2023، دعتني منظمة بريطانية غير حكومية مختصة بحل النزاعات، للمساعدة في نقله من عالم الإرهاب إلى عالم السياسة».
وتابع فورد أن هذه اللقاءات، والتي شملت جلسة ثانية في سبتمبر 2023 بحضور دبلوماسيين وممثلين عن منظمات غربية، وجلسة ثالثة في يناير 2025 في القصر الجمهوري بدمشق بعد تولي الشرع السلطة، كانت جزءًا من عملية منظمة لإعادة تشكيل صورة الشرع كزعيم مقبول على المستوى الدولي.
وأشار فورد إلى أن هذه الجهود بدأت فعلياً منذ عام 2016، عندما أعلن الشرع انفصال مجموعته عن تنظيم القاعدة، في محاولة لتقديم صورة أكثر اعتدالاً تتماشى مع الأهداف الغربية والإقليمية، وتخدم الاستقرار في المناطق الواقعة تحت النفوذ الصهيوني.
بالطبع، إليك الترجمة إلى اللغة العربية للفقرات التي طلبتها:
أمثلة على تعاون الشرع مع الأمريكيين
لم يقتصر التعاون بين الشرع والولايات المتحدة على اللقاءات الدبلوماسية، بل امتد إلى مستويات ميدانية واستخباراتية، بما يخدم المصالح المشتركة. فعلى سبيل المثال، في عام 2022، سهّلت “هيئة تحرير الشام” بقيادة الشرع مرور قوافل المساعدات الأمريكية إلى مناطق شمال غرب سوريا؛ وهو ما اعتُبر مؤشرًا أوليًا على التنسيق مع واشنطن. كما أجرى الشرع في عام 2023 مقابلة مع شبكة CNN الأمريكية، تحدث فيها عن “تطوره الفكري” وابتعاده عن التطرف؛ الأمر الذي وصفه فورد لاحقًا بأنه “جزء من استراتيجية مدروسة لتحسين صورته أمام الغرب”.
وبالإضافة إلى ذلك، أفادت تقارير بأن الشرع قدّم في عام 2023 معلومات استخباراتية حول تحركات الجماعات المتطرفة في إدلب إلى مؤسسات غربية، ما عزّز من مكانته كشريك محتمل في محاربة الإرهاب؛ وهي خطوة تخدم أيضاً أهداف الكيان الصهيوني في إضعاف قوى المقاومة في المنطقة.
لقاء الرياض وتوجيهات ترامب
في هذا السياق، كشفت مصادر دبلوماسية عن تفاصيل لقاء جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأحمد الشرع في الرياض أواخر عام 2024. خلال هذا اللقاء، مارس ترامب ضغوطًا على الشرع لتسريع خطوات التطبيع مع الكيان الصهيوني. وبحسب هذه المصادر، طلب ترامب من الشرع فتح قنوات تواصل مباشرة مع الكيان، تشمل لقاءات رسمية واتفاقيات اقتصادية، في إطار استراتيجية واشنطن لدمج “إسرائيل” في النظام الإقليمي. كما طالب ترامب الشرع بتهدئة الأوضاع في جنوب سوريا، خصوصًا في السويداء، من أجل ضمان استقرار يخدم المصالح الصهيونية ويمهد الطريق لمشروع “إسرائيل الكبرى”، وهو مشروع يهدف إلى توسيع النفوذ الصهيوني ليشمل لبنان والعراق.
بين الإعداد الأمريكي والمخطط الصهيوني
تُظهر تصريحات فورد أن إعداد الشرع لم يكن مجرد عملية سياسية منفردة، بل كان جزءًا من مخطط أوسع يهدف إلى تمكين الكيان الصهيوني في المنطقة. وتؤكد لقاءات باكو، التي حضرها ممثلون عن الكيان، هذا الترابط، إذ تم خلالها الاتفاق على تقديم الكيان بوصفه “المنقذ” للأقليات في جنوب سوريا، خصوصاً الدروز، تحت ذريعة حمايتهم من تهديدات مصطنعة.
يعتمد هذا المخطط على إثارة الفتن الطائفية، كما ظهر في المجازر التي استهدفت العلويين على الساحل والدروز في السويداء؛ وهي جرائم استُخدمت كأداة للابتزاز النفسي والسياسي، من أجل دفع الأقليات إلى القبول بالوصاية الصهيونية.
مشهد مكشوف
في هذا السيناريو، لا يقتصر الهدف على زعزعة استقرار جنوب سوريا، بل يشمل أيضاً تقديم الكيان الصهيوني بوصفه “منقذًا إنسانيًا” للأقليات الطائفية والعرقية؛ وهو ما يمهد بوضوح الطريق نحو مشروع “إسرائيل الكبرى”، المشروع الذي سيصل حتماً إلى لبنان والعراق. ومن خلال هذا الاتفاق، يُصوّر جيش الاحتلال على أنه المسؤول عن “حماية الدروز والمسيحيين” من ما يُعرض في الإعلام كتهديدات صادرة عن دروز أو قوى شيعية أو قوى المقاومة؛ في تكرار واضح لنموذج “جيش لبنان الجنوبي” العميل في ثمانينيات القرن الماضي.
بالطبع، إليك الترجمة إلى اللغة العربية للفقرة الأخيرة التي طلبتها:
الدور الخطير لبعض الدروز المتعاونين
ما يبعث على الأسف والاشمئزاز هو الدور المتواطئ لبعض الشخصيات والقيادات الدرزية، التي قبلت بأن تتحوّل إلى أدوات تنفيذية في هذا المشروع، مقابل وعود كاذبة بـ«الحكم الذاتي» أو «الحماية». لا يمكن بأي حال من الأحوال تبرير أفعال هؤلاء، حتى وإن كانت مجازر مروعة قد ارتُكبت بحق أبناء طائفتهم، لأنهم يعلمون جيدًا أن هذه الجرائم هي جزء من نفس المخطط الذي وافقوا عليه ضمنيًا.
هذه المجازر، رغم فظاعتها، لم تكن عشوائية، بل استُخدمت كأداة للابتزاز الطائفي والنفسي، لدفع المجتمع الدرزي نحو أحضان الكيان الصهيوني، وتقديم المحتل كـ«الضامن الوحيد لبقائهم». لكن الحقيقة هي أن هذه الدماء التي سُفكت في السويداء وجبل العرب، ما هي إلا الثمن الأولي لاتفاق خياني تم التوصل إليه في باكو.
جزء من المخطط… لا ضحيته
القول بأن بعض الدروز المتعاونين كانوا «مضطرين» أو «مغرَّرًا بهم» هو تبرير غير مقبول، لأن الوقائع تشير إلى أنهم جزء أساسي من مخطط إعادة تشكيل الجنوب السوري بما يخدم مصالح الكيان غير الشرعي. إن مشاركتهم في التنسيقات اللوجستية، وتسهيل اللقاءات السرّية، وفتح المعابر أمام عناصر مشبوهة، كلها تدل على مستوى عالٍ من التورط لا يمكن التجميل فيه.
وهنا، لا بد من التمييز بين الدروز الشرفاء، الذين رفضوا الخضوع للوصاية الصهيونية ورفعوا راية الكرامة، وبين المتآمرين الذين اختاروا طوعًا الاصطفاف إلى جانب العدو. فهؤلاء يجب أن يُعامَلوا كعملاء فعليين، لا كمجرد «مخطئين».
نعم، ما يجري في جنوب سوريا ليس إلا تنفيذًا دقيقًا لاتفاق باكو الخياني، الاتفاق الذي يسعى إلى:
- تقديم الكيان الصهيوني كضامن إقليمي.
- تمزيق النسيج الاجتماعي السوري.
- فتح الطريق أمام النفوذ الصهيوني ليصل إلى السويداء والجولان.
- إشعال فتنة داخلية بين القبائل والدروز، والتوجه نحو لبنان لضرب المقاومة واستنزاف حزب الله.
يجب فضح كل من شارك في هذا السيناريو، أيًّا كان، لأن الخيانة لا تُغتفر، والتاريخ لن يرحم من مكّن العدو من التسلل إلى سوريا من بوابة الجنوب.