أحمد الشرع والمشروع الصهيوني: وجه مقبول لتفكيك سوريا
حينما تعود الاحتلالات متخفّية بقناع الإنسانية

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
منذ لحظة سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، بدأت مرحلة جديدة من الغزو العلني لسوريا. لكنّ هذا الغزو لم يُنفَّذ فقط بالطائرات والصواريخ، بل جاء أيضاً عبر أدوات سياسية وإعلامية. وأبرز هذه الأدوات كان “أحمد الشرع”؛ اسم صُمّم وروّج له بعناية ليُقدَّم كـ”قائد للمرحلة الانتقالية” وممثلٌ لآمال الشعب السوري. لكن الحقيقة كانت شيئاً مختلفاً تماماً: الشرع لم يكن سوى غطاء ناعم لمشروع إقليمي–دولي هدفه النهائي تفكيك سوريا ومحو هويتها الوطنية لصالح الكيان الصهيوني.
الشرع: أداة هندسة الدمار تحت شعار “الإنقاذ”
من روّجوا لأحمد الشرع كـ”حل للأزمة” كانوا يعلمون جيداً أنه لا يحمل أي مشروع وطني. بل كان مجرّد نقطة التقاء بين ثلاثة محاور:
- غرفة عمليات الكيان الصهيوني
- تمويل قطري
- ورعاية سياسية–عمليّة تركيّة للمعارضة
هذه الأضلاع الثلاثة لم تكن يوماً ممثلاً حقيقياً لإرادة الشعب السوري، بل كانت تبحث عن مدخل لإعادة هندسة سوريا من الداخل، بواجهة مدنية وبجوهر تابع.
أحمد الشرع، بخلفيته الأكاديمية المصطنعة ونبرته الرمادية، لم يكن سوى “محلّل سياسي” بمهمة واضحة: ليس لإعادة الزوجة السابقة، بل لإعادة سوريا إلى أحضان القوى المعتدية. كانت مهمته منح الشرعية لمشروع خطير: نزع سلاح سوريا، وتفكيك سيادتها، وجرّها نحو محور التطبيع والانهيار.
الغزو الصهيوني بعد سقوط الحكومة: تنفيذ لخطة مسبقة
بمجرد إعلان نهاية المرحلة الانتقالية بدعم من رعاة أحمد الشرع، دخل الكيان الصهيوني علناً الأراضي السورية، ففجّر مستودعات السلاح، واستهدف مراكز الحكم، وتمركز في المرتفعات، وانتهك الأجواء دون أي ردّ يُذكر. هذه الإجراءات لم تكن ردة فعل عشوائية، بل تطبيقاً تدريجياً لاتفاق خفي تم التخطيط له منذ فترة طويلة، ويتضمّن:
1. نزع القدرات الدفاعية بالكامل
يعلم الكيان أن سوريا قادرة على النهوض من جديد، لذا يسعى لتدمير كل البنية التحتية العسكرية القابلة لإعادة الإحياء. وخلال القصف الممنهج، كان الشرع إما صامتاً أو يُصدر مواقف دبلوماسية غامضة.
2. فرض وقائع جغرافية جديدة
باحتلال مناطق محورية، يهدف الكيان لأن يكون الطرف الحاسم في أي تسوية مستقبلية، بما يمنحه القدرة على توجيه المسار السياسي.
3. إضعاف النظام الجديد أمام شعبه
الهجمات تهدف لإذلال النظام الناشئ، وبثّ الإحساس بالعجز، كي يتهيأ الشارع لقبول الانقسام أو الوصاية الخارجية.
4. تفعيل الورقة الطائفية والعرقية
في الجنوب ورقة الدروز، وفي الساحل ملف العلويين، وفي الشرق الأكراد. كل هذه الملفات تتحرك بدعم وإدارة صهيونية لتفجير البلاد من الداخل.
5. جرّ تركيا إلى ساحة الاستنزاف
رغم تحالف أنقرة مع الحكومة الانتقالية، يسعى الكيان لدفعها نحو صراع مستنزف عبر الهجمات الحدودية والتوتير الداخلي، لمنع أي محور إقليمي مضاد للتغلغل الصهيوني.
الهدف الحقيقي: إسقاط الدولة، لا مجرد النظام
منذ 2011، كان الشعار الظاهري للمعارضة هو “إسقاط النظام”، لكن الوثائق والوقائع بيّنت أن الهدف الحقيقي هو إسقاط الدولة السورية كمؤسسة وهوية، وتحويلها إلى فريسة جاهزة للتقسيم والاحتلال والابتزاز.
في هذا السياق، لم يكن أحمد الشرع ومن معه سوى أدوات تمهيد لهذا السقوط، عبر:
- تجميد الجيش بحجة “إعادة الهيكلة”
- تفكيك القضاء باسم “العدالة الانتقالية”
- تسليم الحدود والمعابر لقرارات خارجية
- الترويج لاتفاقات “تثبيت الاستقرار” تحت رعاية الأعداء
مخطط التقسيم: حلم قديم يُنفّذ اليوم
ما نشهده اليوم هو التطبيق الفعلي لمخطط تقسيم قديم طالما سعى الكيان الصهيوني لتنفيذه:
- إنشاء منطقة كردية في الشرق، متصلة بالقواعد الأمريكية، لأغراض استراتيجية ضد إيران والعراق
- كيان درزي في الجنوب، يكمّل الحزام الأمني حول الجولان المحتل
- منطقة علوية في الساحل، بإدارة روسية–صهيونية
- مركز سنّي ضعيف ومحاصر، يُستخدم كورقة تفاوض وتفتيت مستمر
لا شرعية، لا سيادة تحت نعال الاحتلال
لا يمكن لأي سلطة تصمت على العدوان، وتخاف من الإدانة، وتشرعن مشاريع التدمير باسم “إعادة الإعمار”، أن تدّعي الشرعية الوطنية. ولا يُمكن لأي مشروع سياسي يولد من رحم الكيان الصهيوني ويُنهي المقاومة، أن يُسمى “سورياً”.
المرحلة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع ليست سوى فصل من فصول الانهيار. وإذا لم يُكسر هذا المسار، فلن تولد “سوريا جديدة”؛ ما سيبقى هو سوريا ممزقة، تُدار حدودها وقراراتها برضا الكيان الصهيوني، وتُختزل سيادتها إلى توقيع على خرائط الغزاة.