القبائل العربية والمؤامرة الصهيونية؛ من تأجيج الصراعات الداخلية إلى الغياب عن نصرة فلسطين

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
🔹 الهندسة الاجتماعية ودورها في النزاعات الإقليمية
تُعدّ الهندسة الاجتماعية أداة فعّالة لتوجيه المجتمعات واستغلال الانقسامات الداخلية، وهي من بين الاستراتيجيات التي استُخدمت عبر التاريخ لإضعاف الشعوب وتفكيك تماسكها.
وفي السياق العربي، تُظهر الأحداث التاريخية والمعاصرة نمطًا متكرّرًا من استغلال البُنى الاجتماعية ــ كالعشائر والقبائل ــ في خدمة المشروع الصهيوني، الذي يسعى إلى استمرار النزاعات الإقليمية لترسيخ هيمنته على المنطقة.
🔹 ما يحدث في السويداء السورية نموذجٌ واضحٌ لاستغلال القبائل العربية كأداة في نزاعات تصبّ في نهاية المطاف في مصلحة المشروع الصهيوني؛ في الوقت الذي تغيب فيه هذه القبائل عن نصرة قبائل فلسطين في غزة والضفة الغربية. هذا الأمر يكشف عن مؤامرة مدروسة تخدم مصالح الكيان الصهيوني وحلفائه.
🔹 قبائل عربية في السويداء: تمهيدٌ لإشعال النزاعات
شهدت محافظة السويداء في الأشهر الأخيرة تعبئة ملحوظة من قبائل عربية ضد الطائفة الدرزية. قبائل من سوريا ودول الجوار كالأردن والسعودية والعراق اجتمعت تحت عنوان “النصرة القبلية”. لكن هذه التعبئة لم تكن لمواجهة عدو خارجي، بل لإشعال صراع داخلي مع طائفة تُعد جزءًا أصيلاً من النسيج السوري.
هذا الحراك يطرح تساؤلات جديّة حول الأهداف الحقيقية من وراء هذه التحركات، خاصة في ظل الغياب التام لأي مبادرة مماثلة لنصرة القضية الفلسطينية، التي لطالما كانت محورًا أساسيًا في الوجدان العربي.
🔹 أحداث السويداء تُظهر كيف يمكن استغلال الهوية القبلية لإثارة الفتن. فقبائل كانت تُعدّ رمزًا للأمن والاستقرار الاجتماعي تحوّلت إلى أدوات لتمزيق النسيج الداخلي.
وتفيد تقارير بأن هذه التعبئة تلقّت دعمًا لوجستيًا من قوى خارجية، ما يعزز الشكوك حول وجود مخططات لتفكيك سوريا وضرب وحدتها الاجتماعية. هذا النمط يذكّر بما حدث في العراق عام 2014، حين تم استغلال بعض القبائل تحت شعار “ثورة العشائر” لدعم داعش، في مشروع تبيّن لاحقًا أنه خُطط له لتدمير العراق خدمةً للمصالح الصهيونية والغربية.
🔹 قبائل فلسطين: تحت القمع والهجوم
في المقابل، تواجه القبائل الفلسطينية في غزة والضفة الغربية قمعًا ممنهجًا من قبل الاحتلال. هذه القبائل، التي تُعدّ جزءًا أساسيًا من النسيج الفلسطيني، تتعرض للتهجير القسري والاعتقال وتدمير الممتلكات ومصادرة الأراضي، دون أن تحظى بأي دعم يُذكر من القبائل العربية في المنطقة.
فخلال المجازر التي شهدتها غزة منذ أكتوبر 2023، وثّقت منظمات حقوقية مثل “بتسيلم” جرائم حرب ضد المدنيين، بما فيهم من يقطنون في مناطق ذات طابع عشائري.
🔹 الاحتلال سعى مرارًا لتوظيف القبائل الفلسطينية لإضعاف الحركة الوطنية، كما حدث في سبعينيات القرن الماضي بمحاولة فرض ما عُرف بـ”روابط القرى” لإضعاف منظمة التحرير، لكن وعي الشعب الفلسطيني أسقط هذا المشروع، خاصة مع اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987.
مؤخرًا، اقترح بنيامين نتنياهو خطة لإدارة غزة بعد الحرب، تقوم على تسليم السلطة إلى بعض القبائل، الأمر الذي قوبل برفض قاطع من “الهيئة العامة للقبائل الفلسطينية” التي أعلنت دعمها الكامل للمقاومة.
🔹 المؤامرة الصهيونية: توظيف القبائل لتفكيك الأمة
يرتكز المشروع الصهيوني، بدعم من القوى الكبرى، على استراتيجية “فرّق تسُد”، من خلال استغلال الانقسامات القبلية والطائفية لضرب الدول العربية من الداخل. ففي العراق، أصبحت بعض القبائل في 2014 جزءًا من تحركات داعش، بدعم غير مباشر من قوى إقليمية ودولية، ما أدى إلى دمار مدن وتهجير ملايين.
وفي سوريا، نجد نموذجًا مشابهًا من خلال تعبئة قبلية ضد الدروز في السويداء، في محاولة لتفكيك المجتمع السوري عبر اللعب على وتر الهوية القبلية. هذه النزاعات تُخدم المشروع الصهيوني من خلال حرف أنظار الشعوب عن القضية الفلسطينية وإبقاء المنطقة في حالة فوضى.
🔹 في الوقت نفسه، تعكس منشورات على منصة “إكس” (تويتر سابقًا) حالة من الاستياء الشعبي إزاء صمت القبائل العربية تجاه فلسطين. فقد تساءل كثيرون: “أين نخوة القبائل العربية تجاه غزة؟”
وأشاروا إلى أن القبائل التي تسارع للانخراط في صراعات داخلية، كما في السويداء، تغيب تمامًا عندما يتعلق الأمر بنصرة الفلسطينيين، مما يكشف عن توجيه خارجي مريب لهذه التحركات.
🔹 دور القوى الخارجية في الهندسة الاجتماعية
تشير تقارير إلى أن قوى إقليمية ودولية، ومنها الولايات المتحدة، لعبت دورًا في إشعال النزاعات القبلية. ففي العراق، دعمت بعض دول الخليج تسليح قبائل بهدف إشغالها بصراعات داخلية.
وينطبق هذا النموذج أيضًا على سوريا، حيث استُخدمت بعض القبائل في مواجهات مع “قسد” أو الدروز، وربما لاحقًا ضد حزب الله، دون أي توجيه فعلي لهذه القوى نحو دعم قضايا الأمة الكبرى.
المشروع الصهيوني، بدعم أمريكي مباشر، يستغل هذه الانقسامات. ففي عدوان 2023 و2024 على غزة، وثّقت تقارير تهاون إدارة بايدن مع الجرائم الصهيونية، في حين أعلن دونالد ترامب دعمه الكامل لها، مما يعزز الشكوك حول رغبة الغرب في استمرار الفوضى الإقليمية لخدمة مصالح الكيان.
🔹 دعوة إلى الوحدة ومواجهة المؤامرة
غياب القبائل العربية عن دعم فلسطين، مقابل انخراطها في نزاعات داخلية كحالة السويداء، يكشف عن مؤامرة معقّدة تهدف إلى تشتيت الانتباه عن القضية الفلسطينية.
القبائل، التي كانت رمزًا للشهامة والتضامن، تحوّلت اليوم إلى أدوات لزرع الفتن في العالم العربي.
ولمواجهة هذه المؤامرة، لا بدّ للقبائل العربية من استعادة دورها التاريخي كقوة موحّدة تقف إلى جانب القضايا العادلة، وعلى رأسها قضية فلسطين.
الوعي بخطر الهندسة الاجتماعية ورفض الانجرار إلى النزاعات الداخلية هو الخطوة الأولى لإعادة بناء وحدة الأمة ومواجهة المشروع الصهيوني.
🔸 توصيات:
• توحيد القبائل العربية تحت راية دعم فلسطين، عبر إرسال قوافل إغاثية وتقديم دعم لوجستي للقبائل الفلسطينية.
• رفع مستوى الوعي داخل القبائل حول مخاطر توظيف الهوية القبلية في مشاريع أجنبية.
• تشكيل تحالفات إقليمية قبلية لدعم المقاومة الفلسطينية، بعيدًا عن أي تأثير خارجي.
• الضغط على الحكومات العربية لتقديم دعم فعلي للقبائل الفلسطينية ورفض أي مشاريع لتقسيم الضفة الغربية أو غزة.
إن نصرة فلسطين، قبل أن تكون واجبًا دينيًا وقوميًا، هي اختبار لكرامة وشرف القبائل العربية، وميزان حقيقي لمدى قدرتها على مواجهة المؤامرات التي تستهدف تمزيق الأمة الإسلامية.