القسم السياسي

في حضرة سيّد القادة وإمام المجاهدين

✍️ المجاهد الصریمی – صنعاء:

 

من بين الذين تآلفوا مع ثقافة الاكتفاء الزائف وابتعدوا عن الحقيقة العميقة لإيران الثورة والجهاد والمقاومة — ذلك الحصن المنيع للإسلام والقدس الأقدس للولاية — قال هذا القول:

«إن المشكلة في إيران ليست خدماتية، فمشروعاتها الخدمية أكثر تقدماً من معظم الدول العربية (عدا الدول النفطية) وحتى من دول أوروبية كثيرة. ليست المشكلة فنية، فقد تجاوزت الصناعات والتكنولوجيا فيها كل الدول العربية، وحققت في أربعين عاماً ما وصلت إليه أوروبا في ثلاثمئة وخمسين عاماً. وليست المشكلة انهياراً اقتصادياً، فبالرغم من أقسى العقوبات، جاءت في المرتبة التاسعة عشرة اقتصادياً.»

المشكلة الحقيقية، في رأيه، هي الغفلة عن ساحة المعركة الثقافية والإعلامية وأبعاد الحرب الناعمة الأخرى: حرب تمكّنت من تصوير نظام إيران كرمز للشر، وتصغير إنجازاته، وتضخيم عيوبه، حتى أثّرت في مشاعر ووعي المواطنين الإيرانيين أنفسهم. إن المشكلة تكمن في قلة الاهتمام بالمنابر التربوية والتثقيفية والمناهج الدراسية.

قلتُ:
لا يوجد بعد في أبعاد الجمهورية الإسلامية لم يُولَ له الهمّ والاهتمام كالبعد التربوي والثقافي. لا ينبغي تعميم تجربة عهد خاتمي على ما بعده. ومن المفيد العودة إلى قراءة أعمالهم الثقافية والفنية الكبرى: مئات الكتب في مواجهة الحرب الناعمة، مئات في مجال البسيج، آلاف الأعمال حول الدفاع المقدس، والجيل الثوري وأهدافه، وخطابات أئمة الحقّ؛ أولئك الإمامان الطاهران اللذان لم يُغفلوا قضيةً واحدة، بل بيّنوها بإتقان.

لكن المشكلة تكمن في أن البعض لم يعي مرحلة ما قبل الثورة، وسقط في فخ التزييف الإعلامي الذي تقوده قوى الاستكبار، عبر أكثر من ثلاثمئة قناة ناطقة بالفارسية، مهمتها تسميم الفكر.

لا يحق لأحد إنكار عظمة الشخصيات الإيرانية في الثقافة والفكر، والشخصيات التي نشأت منها كنوز فكرية حقيقية، لها حضور مؤثر على المستويين الإسلامي والعالمي. أنا واحد منهم، من استعاد في الثورة الإسلامية روح علي وأبنائه، وعشت عبرها عودة حسين الحقيقية كنهضة وطريق.

كل المؤسسات الحكومية هناك تُدار تحت إشراف “المجلس الأعلى للثقافة الثورية”، حتى الجانب السياسي الداخلي والخارجي خاضع له. عدد المتدرّبين من البسيج يعادل سكان البلاد. فلا ينبغي الاستهانة أمام زقزقة إعلام العدو، والاعتقاد بأن هناك ضعفاً ثقافياً.

كأنها جمهورية أمير المؤمنين!
هناك دلائل وافية تظهر أن محبة وولاية الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، تتجسد فعلياً في قلب قائد الأُمّة، ولي الله، إمام الجهاد والمجاهدين، السيّد مولانا، نائِب الإمام المهدي (عليه السلام)، السيد آية الله الخامنئي (دام ظلّه الوارف).

الإيمان بولايته لم يعد مجرد فكرة نظريّة أو عاطفة مجردة، بل حقائق سلوكية وأخلاقية قابلة للتطبيق. في عهده، تحولت الجمهورية الإسلامية إلى “دولة الإنسان”، قدوة كدولة علي بن أبي طالب، التي حضرت في:

  • السياسة والاقتصاد، والقضاء والعدالة الاجتماعية، والتواصل مع الناس، والعلم والصحة، والجهاد والسلم.
  • اتسمت بالحكمة واللين والصبر على الأذى، والصرامة في مواجهة الجبارين والمستكبرين.

ّرغم أن القوة الدينية لديها مكانتها إلا أنها تنبع من الزهد والتواضع، ولا من كماليات أو مظاهر…’,
القادة الدينيون السيّد يشير لنا أن القوة الحقيقية لا تُبنى على الفخامة، بل على التقوى والورع.

في مكانٍ كالعالم العربي، حيث تعوّد الناس على مشاهد القمع والفساد، هذا النهج يبدو كحلم بعيد. لكن في إيران، وعلى مدار العقود، رسم الإمام الخامنئي مساراً نادراً: إدارة دولة تحت سقف الزهد، بقلب مليء بالإرادة والحكمة.

ورغم الصور النمطية الشائعة، تكشف الحقيقة أنها معقّدة جداً: لا يوجد دكتاتورية مطلقة، بل توازن دقيق بين السلطة الدينية والمؤسسات المنتخبة والنظام الرقابي، فليس هناك مكان للاستبداد.

هذه الجمهورية ليست مجرد تجربة سياسية، بل درس عن كيف نحول الزهد إلى مصدر قوة، والقيادة إلى مسؤولية ترتكز على الكفاءة والعدالة، وتلك الرجعية الشعبية تشكّل جداراً ضد التفكك.

بالرغم من الحملات الإعلامية المستمرة، يبقى نمط ولاية الفقيه في إيران من أكثر التجارب السياسية تحفظاً وتعقيداً في المنطقة.
كيف يقود رجل فقيه ومتكامل الشخصية أمة كبيرة ويحفظ توازنها الدقيق؟
آية الله الخامنئي ليس مجرد زعيم ديني، بل وليّ فقيه مسؤول شرعاً، وتحت رقابة قانونية من مجلس الخبراء، وهو منتخب لمراقبة عمله.
هذا يضمن أن تكون السلطة مشروطة وليست مطلقة.

الزهد في حياته اليومية ليس شعاراً فارغاً، بل واقع ملموس. في زمن يُزهو فيه البعض، يُظهر قائد إيران كيف يمكن تحويل الزهد إلى ملاذ ثقة وحصن روحي للحفاظ على السلطة من الانحراف.

هذا الزهد يُحوّل القوة من استبداد إلى مسؤولية، ويخلق علاقة جديدة بين الحاكم والشعب، قائمة على الصدق والاحترام وليس على الخوف أو القهر.

في مواجهة الفوضى والإنهيار في اليمن، حيث فقدت الدولة سلطتها، وتشتّتت المؤسسات، واندلعت قوى تتقاتل بدون إطار، يتجلى أهمية الاقتداء بهذا النموذج.

اليمن بحاجة إلى قيادة زاهد حقيقي، شرعية تكترم الشعب، مؤسسات قوية تخضع للرقابة والموازنة، بعيدة عن الفوضى أو الاستبداد الذي يقتل حلم شعب بأكمله.

لكن الأمر ليس تقليداً أو تقليد أعمى، بل قراءة نقدية واعية لفهم كيف يمكن لهذه التجربة أن تلهم مسارات جديدة لليمن: حيث تصبح القيادة ضرورة لا رفاهية، والزهد خيار للقوة، والقوة ليست امتيازاً بل مسؤولية تحت مراقبة ومحاسبة.

وفي النهاية، يقدم هذا النموذج تجربة سياسية فريدة، تجربة تحمل درساً ثميناً لأي أمة تسعى إلى ثبات دائم في أوقات الأزمات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى