القسم السياسي

الحشد الشعبي؛ حصن السيادة العراقية تحت سكاكين المتربصين الأمريكيين والداخليين

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

في ظل التحولات المتسارعة والأزمات الأمنية والسياسية التي تواجهها العراق اليوم، بات الحشد الشعبي رمزًا للاستقلال الوطني والمقاومة الشعبية في وجه الإرهاب والتدخلات الخارجية، ومكونًا لا غنى عنه في الحفاظ على سيادة البلاد. لقد تشكّل هذا التشكيل المؤمن والمضحّي بفتوى المرجعية الدينية العليا في النجف عام 2014، لصدّ اجتياح تنظيم داعش، ومنذ ذلك الحين لعب دورًا حاسمًا في صون السيادة الوطنية والحفاظ على وحدة الأراضي العراقية، وكانت تحرير مدن مثل الموصل وتكريت من أبرز إنجازاته. لم يقتصر دور الحشد على دعم الجيش العراقي فحسب، بل أصبح أيضًا حصنًا منيعًا ضد عودة الفوضى.

لكن هذه القوة الجذرية أصبحت اليوم هدفًا لهجمة منظمة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ووكلائها الداخليين، وحتى بعض الأطراف التي تدّعي التشيّع، كتيار مقتدى الصدر؛ هجمة تهدف إلى تقويض مكانة الحشد، وتفريغ قدرته الردعية، ودفع العراق نحو الاستسلام الكامل للمشاريع الاستعمارية.

من يسعى إلى نزع سلاح الحشد الشعبي؟

الضغوط لتفكيك أو إضعاف الحشد الشعبي تُمارَس من أطراف مختلفة ترتبط مصالحها بإضعاف الشيعة وكسر قوة الردع العراقية:

▪ الضغط الأمريكي المباشر

الاتصال الأخير بين وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في 22 تموز/يوليو 2025، عكس حجم القلق الأمريكي من قانون إعادة تنظيم الحشد. فقد اعتبر روبيو أن هذا القانون يعزز نفوذ إيران ويهدد “سيادة” العراق، مما يكشف أن واشنطن لا تقلق من طهران بقدر ما تخشى من تشكل قوة وطنية وشعبية مستقلة كالحشد، يمكن أن تتحول إلى نواة مقاومة للهيمنة.

▪ المرتزقة المحليون وخدام المشروع الأمريكي

في وسائل الإعلام والتصريحات السياسية، يرفع بعض أتباع المشروع الأمريكي أصواتهم مطالِبين بحلّ الحشد، وهم أنفسهم الذين هلّلوا سابقًا للاحتلال الأمريكي واعتبروه محررًا، رغم أن أمريكا كانت الراعي الأول لداعش ولا تزال تستخدمه كأداة. في صور رمزية، تُصوَّر أمريكا وهي تحتضن داعش كدمية، في تعبير صريح عن العدو الحقيقي للعراق.

▪ الطائفيون وأعداء الشيعة

تعارض بعض القوى السنية، إلى جانب بعض الدول العربية، النفوذ الشيعي المتزايد في العراق، وترى في الحشد الشعبي أداة لتعزيز سلطة الشيعة. ومن ثم تسعى بكل وسيلة لإضعافه أو حذفه، في محاولة للعودة بالعراق إلى فلك التبعية الطائفية.

▪ الشيعة الموالون للغرب، لا سيما تيار الصدر

يظنّ بعض الشيعة، خصوصًا المحسوبين على مقتدى الصدر، أن التقارب مع أمريكا قد يمنحهم أمانًا سياسيًا، فينتهجون سياسة المسايرة، ويساهمون بفعالية في حملات تقويض الحشد. وهذا السلوك، بغض النظر عن نواياهم، لا يخدم سوى مشاريع الهيمنة الخارجية.

تناقضات خطيرة في مواقف مقتدى الصدر

ما يزيد المشهد تعقيدًا هو تناقض مواقف مقتدى الصدر، الذي لطالما قدّم نفسه كـ “قائد مقاوم” و”رمز الاستقلال الشيعي”، لكنه الآن يتبنى طروحات تتناغم مع مطالب ماركو روبيو وواشنطن، عبر دعواته لحل الحشد. هذا التغيير الصادم أثار دهشة أتباعه وطرح تساؤلات جدية عن استقلاليته الحقيقية.

فالصدر، الذي كان سابقًا يعارض الوجود الأمريكي، يتبنى اليوم مواقف تبدو “وطنية” في الظاهر لكنها تخدم فعليًا مشروع نزع سلاح الشيعة وإفراغ العراق من أدواته الدفاعية.

توقيت مريب للهجوم على الحشد

تأتي الحملة على الحشد في وقت حرج: سوريا تنهار، لبنان على حافة الفوضى، والعراق يواجه تهديدات أمنية متزايدة، بينما تنشط مجموعات مشبوهة بشعارات مثل “قادمون يا كربلاء”، ويُروَّج لمشروع “ممر داوود” الصهيوني الذي يستهدف مباشرة محور المقاومة.

في هذا السياق، فإن الدعوة إلى نزع سلاح الحشد، سواء جاءت من ماركو روبيو أو عبر خطاب مقتدى الصدر، لا يمكن تفسيرها إلا كجزء من برنامج استهداف المقاومة، ولا تمتّ بصلة لمصالح الدولة أو الشعب. فهي استمرار لنفس المشروع الذي مهّد لاحتلال العراق، واليوم يُعاد إحياؤه بلغة جديدة ووجوه مألوفة.

الفقهاء؛ الملاذ الأخير للشعب

في وقتٍ رسّخت فيه الولايات المتحدة الأمريكية وجودها في بنية الحكم العراقي، وباتت تهيمن على أجوائه من خلال العمليات الاستخبارية والعسكرية، تضاءلت آمال الناس في أن يواجه السياسيون هيمنة واشنطن. أما مقتدى الصدر، الذي كان يُعدّ يومًا صوتًا للاستقلال، فقد تراجع عن مبادئه، إمّا تحت ضغط داخلي أو خارجي.

في مثل هذه الظروف، لم يبقَ سوى الفقهاء والمراجع الشيعة الأصيلين الذين يمتلكون الشرعية، والمكانة الشعبية، والشجاعة الكافية لتحفيز الشعب على مقاومة الهيمنة والاستسلام.

هؤلاء الذين أفنوا أعمارهم في سبيل رضا الله، يمكنهم من خلال ثباتهم في وجه الظلم والذل، أن يُحبطوا مخططات الأعداء، ويعيدوا التوازن إلى المشهد السياسي العراقي.

لماذا يختلف الشيعة حول السلاح؟

الانقسام بين الشيعة لا ينبع من الجهل، بل من وجود رؤيتين متناقضتين:

١. الاستسلام أم الردع؟
يرى بعض أنصار التيار الصدري أن تجنّب التوتر يتطلب الرضوخ لمطالب أمريكا. لكنّ التجارب مع داعش، وتركيا، والكيان الصهيوني، أثبتت أن السبيل الوحيد للنجاة من الذبح والإهانة هو امتلاك قوة الردع. فكل ضعف يُمهّد للفاجعة، والحشد الشعبي هو الضامن الحقيقي لبقاء وأمن الشيعة.

٢. الحوار مع العدو أم خيانة؟
بعض الجماعات المرتبطة بالصدر أو غيره من التيارات دخلت في تواصلات خفية مع العدو، سعيًا وراء مصالح شخصية أو أمن سياسي مقابل الحياد أو الصمت. لكن هذا المسار لا يُعدّ تكتيكًا، بل خيانة لدماء الشهداء ولمصالح الشعب. فالمعيار الحقيقي يجب أن يكون المصلحة العليا للأمة، لا المكاسب الفردية أو الطائفية.

دور إيران: داعم مستقل لا آمر

على عكس ادعاءات واشنطن، لم تطلب إيران من الحشد الشعبي في المعركة الأخيرة أي دعم، ولم ترسل مقاتلين. وهذا دليل على أنها تنظر إلى العراق كشريك استراتيجي مستقل، وتتخذ قراراتها باحترام للسيادة الوطنية العراقية.

فإيران التي ساعدت في مواجهة داعش وساهمت في تقوية الحشد، لم تحوّله إلى أداة تابعة. وهذا هو الفارق الجوهري بين دعم طهران وهيمنة واشنطن، وهو ما أصبح جليًا لعموم الشعب العراقي.

الحشد الشعبي يجب أن يبقى

الحشد الشعبي ليس مجرد قوة عسكرية، بل هو رمز للكرامة والسيادة وعزّة العراق. وفي ظل المشاريع الخطيرة مثل داعش، وممر داوود، وضغوط واشنطن المتزايدة، فإن حلّ الحشد يعني الاستسلام الكامل.

إن مواقف أمثال مقتدى الصدر، التي تتماهى مع مطالب ماركو روبيو، لا تمثل إرادة شعب العراق المقاوم. الآن هو وقت وحدة الشيعة حول قوة الردع.

فقط القوة هي التي تنقذ الشعب من الاحتلال، والذل، وتكرار المآسي، وتجعل من العراق دولة مستقلة وممانعة في وجه العواصف الإقليمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى