القسم السياسي

إيران في قلب الجيوسياسة العالمية: عندما تصبح الجمهورية الإسلامية محور توازن الردع العالمي

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

تشير التقارير الاستخباراتية الأمريكية، رغم لغتها التحذيرية، إلى واقع لا يمكن إنكاره: الجمهورية الإسلامية الإيرانية باتت اليوم في قلب مشهد النزاعات الدولية، ليس بسبب ما تسميه واشنطن “تهديداً مزعوماً”، بل لأنها تمثل نموذجاً حقيقياً للاستقلال، ودولة نادرة غير خاضعة لهيمنة الغرب، تمتلك قوة ردع ونفوذاً محورياً يغيّر قواعد اللعبة الجيوسياسية.

النووي: من ملف ضغط إلى ورقة استراتيجية

ما تسميه واشنطن “تهديد البرنامج النووي الإيراني” ليس إلا اعترافاً مشوباً بالخوف بفشلها في إيقاف التقدم العلمي والتقني الإيراني. فإيران، التي أوقفت حسب نفس التقرير برنامجها التسليحي النووي منذ عام 2003، لا تزال تتعرض للابتزاز من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رغم أن شفافيتها تتجاوز بكثير تلك التي لدى كيانات أخرى، مثل الكيان الصهيوني الذي ثبت تورطه في اغتيال العلماء الإيرانيين.

المعرفة النووية الإيرانية ليست سباقاً نحو التسلح، بل رسالة استراتيجية للردع، تمنع العدو من التفكير بأي عدوان مباشر، في وقت فقد فيه الغرب قدرته على تطويق محور المقاومة عسكرياً وأمنياً.

محور المقاومة: تهديد للوجود الاستعماري، لا لأمن المنطقة

الإشارة الأمريكية إلى دعم إيران لحزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن، والفصائل الشيعية في العراق، تمثل دليلاً على الدور الطبيعي الذي تلعبه الجمهورية الإسلامية في دعم المستضعفين ومواجهة الاحتلال والاستعمار. فالوجود العسكري الأمريكي في العراق وسوريا هو السبب الأساسي للتوتر، في حين أن المقاومة في وجه الاحتلال لا تحتاج إلى تبرير، بل هي رد فعل مشروع.

ورغم إقرار واشنطن بأن إيران لا تسعى إلى صراع شامل، تحاول تبرير وجودها غير القانوني عبر ترويج سردية “الوكلاء”، بينما الحقيقة أن هذه القوى المقاومة تمثل جزءاً أصيلاً من شعوبها التي ترفض الهيمنة وكسر احتكار القرار الأمني والسياسي الذي فرضته أمريكا لعقود طويلة.

ترسانة الردع: معادلة جديدة في غرب آسيا

حين تعترف الأجهزة الأمريكية بأن إيران تمتلك أكبر ترسانة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة في المنطقة، فهي بذلك تُقِرُّ بوجود توازن ردع جديد فرضته إيران. هذا التطور العسكري لا يمثل تهديداً عدوانياً، بل سلاحاً مشروعاً للدفاع عن السيادة ومنع الحروب.

ويقر التقرير أيضاً بفشل محاولات كسر هذا الردع عبر الهجمات الجوية أو الإلكترونية، ما يؤكد أن قدرة إيران على امتصاص الضربات والرد عليها لا تزال قوية وراسخة، رغم سنوات من الحروب المركبة.

بهذا، تظهر إيران اليوم كقوة إقليمية مركزية لا يمكن تجاهلها، بل باتت محوراً لتوازن الردع العالمي في منطقة غرب آسيا.

تحالفات شرقی: كسر الحصار الأمريكي

تحاول واشنطن تصوير تقارب إيران مع روسيا والصين كتهديد لها، لكن الواقع هو أن هذا يمثل موقعاً ذكياً لإيران ضمن المعسكر العالمي الذي يرفض احتكار القرار الأمريكي. فالتعاون مع موسكو لا يقتصر على أوكرانيا فقط، بل يشمل إعادة بناء توازن القوى، وإيران تحتل مركز هذه المعادلة.

أما علاقات طهران مع الصين، والدول الإفريقية، وحتى بعض الدول العربية في الخليج، فتدل على تحرك دبلوماسي مستقل يعيد التوازن إلى العلاقات الدولية ويخرج المنطقة من حالة الابتزاز الاقتصادي والسياسي الغربي.

التهديدات السيبرانية؟ أم نهاية الهيمنة الغربية!

يتحدث التقرير عن “التهديد السيبراني الإيراني”، في حين تثبت الحقائق العكس: فقد طورت إيران قدراتها السيبرانية رداً على عقود من الحرب الرقمية التي شُنت ضدها، وهي تملك الحق في الرد. وتُعد الهجمات السيبرانية الإيرانية على المنشآت الأمريكية والصهيونية جزءاً من حرب دفاعية ذكية كسرت احتكار التكنولوجيا المعلوماتية التي كانت بيد الغرب.

حتى مجرد الحديث عن عمليات “اختراق داخل أمريكا” يفضح هشاشة البنية الاجتماعية والسياسية الأمريكية، ويؤكد قدرة إيران عبر منظومتها الإعلامية والأمنية على اختراق عمق العدو بأساليب غير تقليدية.

ما لم يقله التقرير

رغم كل “التحذيرات” من واشنطن، لم يجرؤ التقرير على إنكار حقيقة مركزية: الجمهورية الإسلامية، رغم الحصار، ما زالت صامدة، رغم المؤامرات ما زالت قوية، ورغم العزلة المزعومة ما زالت مؤثرة. فإيران عبر حلفائها تزداد يوماً بعد يوم كفاعلة رئيسية في تشكيل مستقبل المنطقة والعالم.

وفي مواجهة هذا الصعود، تقتصر خيارات الغرب على التحريض، والعقوبات، والتقارير الاستخباراتية التي لا ترهب شعوب المنطقة، بل تؤكد لهم أن إيران لا تزال تملك خيوط المواجهة وتتصاعد في سلم التأثير.

📌 لذا، تقرير الاستخبارات الأمريكية لعام 2025، رغم مظهره التحذيري، يعترف من غير قصد بأن إيران أصبحت رقماً صعباً لا يمكن تجاهله، ومشروع المقاومة ما زال حياً وذا تأثير في توازن القوى العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى