مقالات الرأي

المحور الثاني: رد إيران (الجزء الأول)

 

✍️ القسم السياسي:

 

١. عقيدة الدفاع الإيرانية:
تحليل مبادئ الرد الصاروخي، الطائرات المسيّرة، والحرب السيبرانية

أ. مبادئ الرد الصاروخي

تعتمد العقيدة الدفاعية الإيرانية على مفهوم «الردع الاستراتيجي» الذي يهدف إلى خلق توازن قوة لمنع أي عدوان محتمل عبر إظهار القدرة على إلحاق أضرار جسيمة بالعدو. في إطار العدوان الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو 2025، شهدت هذه العقيدة تحوّلاً جوهرياً من «الصبر الاستراتيجي» الذي تجنّب المواجهة المباشرة لعقود، إلى «التناسب الاستراتيجي» الذي يتطلب ردّاً عسكرياً متناسباً مع حجم العدوان لاستعادة الردع. هذا التحول نتج عن إدراك طهران لأهمية الرد السريع والحاسم للحفاظ على مكانتها كقوة إقليمية مقاومة، لا سيما بعد خسائرها الفادحة في سوريا مع سقوط نظام بشار الأسد وفي لبنان مع اغتيال آية الله حسن نصرالله وقادة ميادين حزب الله.

تجلّى الرد الصاروخي الإيراني في عملية «الوعد الصادق 3» بإطلاق أكثر من 550 صاروخاً باليستياً، منها صواريخ «خيبر» و«فاتح 110» ذات الدقة العالية وقدرة حمل رؤوس متفجرة تتراوح أوزانها بين 500 إلى 1500 كيلوجرام. استهدفت هذه الصواريخ قواعد عسكرية في النقب، مثل قاعدة «نفاتيم» الجوية، ومراكز استخباراتية في الجولان المحتل، ومحطة كهرباء عسقلان التي تُعدّ عمود الاقتصاد الحيوي للاحتلال الإسرائيلي. الهدف الرئيسي من هذا الرد كان إثبات قدرة إيران على اختراق منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية، مثل «القبة الحديدية» و«فلق النار»، والتي فشلت حسب تقارير استخبارات مستقلة في اعتراض حوالي 30 إلى 40 بالمئة من الصواريخ.

على الصعيد العملياتي، اعتمدت إيران على مبدأ «إشباع الصواريخ» عبر إطلاق أعداد كبيرة منها دفعة واحدة لإرباك أنظمة الدفاع الجوي. استُفيد في هذه التكتيكات من ترسانة ضخمة مخزنة في قواعد تحت الأرض في غرب إيران، مثل قاعدة «الإمام علي» في كرمانشاه. كما ركزت على استهداف أهداف استراتيجية ذات قيمة عالية، كالقواعد الجوية التي تستضيف مقاتلات إف-35 والمنشآت الاقتصادية التي تؤثر على استقرار الداخل الإسرائيلي، مثل تدمير جزء من محطة عسقلان التي أدت إلى انقطاع التيار الكهربائي عن أكثر من 200 ألف مستوطنة مما تسبب في اضطرابات اقتصادية ملحوظة.

الرد الصاروخي كان أيضاً رسالة سياسية لتعزيز الوحدة الداخلية في إيران. بعد الخسائر في سوريا ولبنان، شهدت طهران وأصفهان تظاهرات حاشدة دعماً للرد العسكري، ساهمت في تخفيف الضغوط الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الغربية. هذه التظاهرات التي غطتها وسائل الإعلام المحلية عززت الروح الوطنية وأظهرت قدرة إيران على التعبئة العامة حتى في ظل الأزمات.

علاوة على ذلك، أظهر الرد الصاروخي قدرة إيران على إدارة عمليات معقدة عبر مسافات بعيدة، حيث أُطلقت الصواريخ من قواعد في غرب إيران، ومرت عبر الأجواء العراقية المجاورة لتصل بدقة إلى أهدافها. هذا الإنجاز عزز مكانة إيران كقوة عسكرية متقدمة قادرة على الرد الحازم على أي عدوان، رغم التحديات الإقليمية.

استخدمت إيران تقنيات متقدمة في صواريخها، مثل أنظمة توجيه مركبة تجمع بين GPS والملاحة بالقصور الذاتي، لتعزيز الدقة وتقليل تأثير التشويش الإلكتروني الإسرائيلي. هذه التطورات جاءت نتيجة استثمارات طويلة الأمد في الصناعة الدفاعية المحلية، مما خفف من اعتماد طهران على المصادر الخارجية.

رد إيران الصاروخي لم يقتصر على إلحاق أضرار مادية وبشرية بالعدو، بل فرض معادلة ردع جديدة أجبرت إسرائيل على إعادة حساباتها في مواجهة طهران.

 

ب. مبادئ استخدام الطائرات المسيّرة

تشكّل الطائرات المسيّرة العمود الفقري لعقيدة الدفاع الإيرانية، بسبب تكلفتها المنخفضة مقارنة بالصواريخ الباليستية وفعاليتها في تشتيت وإرباك دفاعات العدو الجوية. في عملية «الوعد الصادق 3»، أطلقت إيران أكثر من 1000 طائرة مسيّرة، منها نماذج «شاهد 136» و«مهاجر-6» التي تتميز بمدى يصل إلى 2500 كيلومتر وقدرة حمل متفجرات تتراوح بين 40 إلى 150 كيلوجرام. استهدفت هذه الطائرات قواعد عسكرية وصناعية، منها قاعدة «نفاتيم» الجوية، منطقة صناعية في النقب، ومراكز لوجستية في إيلات. وتمكنت على الأقل طائرتان مسيّرتان من اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية، مما تسبب في أضرار مادية وبشرية كبيرة.

ووفقاً للمحلل العسكري، العميد أمين خطيط، تبنّت إيران منهجاً مبتكراً في إدارة الهجمات بالطائرات المسيّرة يعتمد على أربعة مبادئ أساسية:

  1. التزامن: إطلاق الهجمات بشكل متزامن لإغراق أنظمة الدفاع الجوي.
  2. التنويع: استخدام أنواع مختلفة من الطائرات المسيّرة، بما في ذلك الانتحارية والهجومية، لتشتيت دفاعات العدو.
  3. التوزيع الجغرافي: الهجوم من اتجاهات جغرافية متعددة، بما في ذلك مسارات عبر العراق والأردن، لإرباك رادارات الاحتلال الإسرائيلي.
  4. عدم التكرار: تجنب أنماط متكررة في الهجمات لجعل التنبؤ بها أكثر صعوبة.

أدى هذا المنهج إلى نجاح بارز، حيث اضطرّت أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية إلى تفعيل عدة بطاريات في وقت واحد، مما استنزف ذخائر الصواريخ الاعتراضية وزاد الضغط على القيادة العسكرية. على سبيل المثال، تسببت الطائرات المسيّرة في إطلاق صفارات الإنذار في أكثر من 30 منطقة داخل الأراضي المحتلة، مما أدى إلى حالة ذعر بين المستوطنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى