اتصال إيران بطريق الحرير عبر باكستان؛ مسار جديد في مرحلة ما بعد الحرب
أعلن الرئيس أن من الممكن الارتباط بمشروع طريق الحرير الجديد عبر باكستان، ويعتقد الخبراء أن ربط إيران بطريق الحرير من خلال المسار الباكستاني، رغم أنه ليس فكرة جديدة، إلا أنه في حال متابعته بشكل منسق قد يؤدي إلى نتائج مختلفة عن التجارب السابقة.

نقلاً عن موقع “صدای سما” وفقًا لتقرير موقع “صدای سما” الإخباري، وعلى الرغم من مرور أكثر من عقد على إطلاق مبادرة “الحزام والطريق” الصينية أو ما يُعرف بـ”طريق الحرير الجديد”، لا يزال اسم إيران غائبًا عن قائمة الدول المستفيدة فعليًا من المزايا الاستراتيجية لهذا المشروع العالمي. وفي ظل التصريحات الأخيرة للرئيس الإيراني حول إمكانية الارتباط بهذا المشروع عبر باكستان والممر الواقع في جنوب شرق البلاد، يطرح السؤال نفسه: هل يمكن لهذا المسار الجديد أن يُعوض ما فُقد في الماضي؟ أم أن مصيره سيكون كالتجارب السابقة في سرخس، بندر عباس وممر الشمال – الجنوب، حيث بقيت كلّها في دائرة الغموض؟
مشروع طريق الحرير الجديد وموقع إيران منه
يُعد طريق الحرير الجديد مشروعًا ضخمًا استثمرت فيه الصين مئات المليارات من الدولارات، بهدف ربط شرق آسيا بالشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا عبر مسارات برية وبحرية. يشمل المشروع ستة ممرات رئيسية، من أبرزها:
- الممر الصيني – آسيا الوسطى – أوروبا
- الممر الصيني – الروسي
- الأهم من ذلك، الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني (CPEC)، الذي يبدأ من إقليم “شينجيانغ” الصيني وينتهي في ميناء “جوادر” الباكستاني.
ورغم الموقع الجيوسياسي المميز للجمهورية الإسلامية الإيرانية، الذي يؤهلها لتكون صلة الوصل بين الشرق والغرب، إلا أن إيران لم تلعب حتى الآن دورًا مؤثرًا في سلسلة الربط الرئيسية للمشروع، بل تم تهميشها في بعض المسارات لصالح دول أخرى.
محاولات فاشلة للربط من المسارات الشمالية الشرقية
على مدى السنوات الماضية، ركز صانعو القرار في إيران على محاولة الربط بطريق الحرير عبر المسارات الشمالية الشرقية، مثل سرخس، إنچهبرون، بندر عباس، وسكة الحديد الشمالية – الجنوبية. ومن أبرز المشاريع في هذا السياق:
- ربط السكك الحديدية الإيرانية بتركمانستان وكازاخستان
- مشروع خواف – هرات لربط إيران بأفغانستان وآسيا الوسطى
- تطوير ميناء چابهار بهدف منافسة ميناء جوادر الباكستاني
غير أن هذه المحاولات واجهت تحديات كبرى، أبرزها ضعف التمويل، والبيروقراطية الداخلية، والتناقضات في السياسة الخارجية، مما حال دون الاستفادة من الفرص المتاحة. وكانت النتيجة أن دولًا مثل أذربيجان، كازاخستان، وحتى الإمارات، حلت محل إيران في بعض أجزاء المبادرة.
المسار الجنوبي الشرقي؛ سیستان وبلوچستان وفرصة الارتباط بـ CPEC
في الأسابيع الأخيرة، عادت الأنظار مجددًا نحو جنوب شرق إيران، ولا سيما محافظة سيستان وبلوشستان. وبالنظر إلى الحدود المشتركة مع باكستان وتطور الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني (CPEC)، يرى بعض الخبراء أن هذا المسار يشكل فرصة واعدة لربط إيران بمشروع طريق الحرير.
كما أن الدعم الباكستاني الملحوظ خلال الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يومًا، ساهم في تعزيز رغبة المسؤولين الإيرانيين بتوسيع العلاقات التجارية والاقتصادية مع هذا الجار الجنوبي الشرقي.
الزيارة الأخيرة لمساعد رئيس الجمهورية إلى الموانئ الجافة في مشهد ويزد، إضافة إلى تواجده في محافظة سيستان وبلوشستان، تُعد من المؤشرات الدالة على تفعيل رؤية جديدة تجاه هذا المسار. كما أن التصريح الأخير للدكتور مسعود پزشکیان، رئيس الجمهورية، الذي أعلن فيه أن «من خلال باكستان يمكن لإيران أن ترتبط بمشروع طريق الحرير الجديد»، يعكس دعمًا على أعلى مستوى من الحكومة لمتابعة هذا الاتصال.
وعلى خلاف المسارات الشمالية الشرقية، يتميز ممر الجنوب الشرقي بعدة مزايا، منها القرب من المياه الدولية، والوصول إلى ميناء جوادر، وفرصة إقامة ارتباط مباشر مع الصين برًا وبحرًا. كما أن الاستثمارات الأخيرة في مجالات إنشاء الموانئ الجافة، وخطوط السكك الحديدية الجديدة، والمناطق الحرة الحدودية في المحافظات الجنوبية، قد عززت من الإمكانات التنفيذية لهذا المسار.
هل سيكون لهذا المسار مصير مختلف؟
رغم الآمال الجديدة، فإن ربط إيران بطريق الحرير عبر باكستان يواجه تحديات عدة، أبرزها:
- عدم انضمام إيران رسميًا إلى مشروع BRI: على خلاف بعض الجيران، لم تنضم إيران حتى الآن بشكل رسمي إلى هذه المبادرة.
- ضعف البنية التحتية للنقل في شرق البلاد: بعض أجزاء السكك الحديدية والطرق في محافظة سيستان وبلوشستان لا تزال بحاجة إلى استثمارات كبيرة.
- المنافسة مع مشاريع بديلة: دول مثل تركيا، أذربيجان، وحتى العراق، تحاول تقديم مسارات بديلة لنقل البضائع من الصين إلى أوروبا.
ومع ذلك، يرى بعض الخبراء أن الحكومة إذا استطاعت استثمار طاقات التعاون الثلاثي بين إيران وباكستان والصين، وأنشأت هيكلًا منسقًا لتنمية المنطقة في سيستان، فإن هذا المسار قد لا يربط إيران فقط بطريق الحرير، بل يخرج جنوب شرق البلاد أيضًا من دائرة التهميش التنموي.
إن ربط إيران بطريق الحرير عبر باكستان، وإن لم يكن فكرة جديدة، إلا أنه إذا تمت متابعته بشكل منسق، فقد يحمل نتائج مغايرة للتجارب السابقة. ويتوقف نجاح هذا المسار على الفهم الدقيق للمتطلبات الجيوسياسية، والاندماج مع المبادرات الإقليمية، وتسريع تنمية البنى التحتية في شرق البلاد.
وفي ظل تجدد اهتمام الحكومة بهذا الطريق، بات من الضروري وضع خطة تنفيذية بمشاركة القطاع الخاص والهيئات الإقليمية، لكي تستعيد إيران مكانتها المفقودة على خريطة التجارة العالمية.