المحور الثاني: رد إيران (الجزء الخامس)

القسم السياسي:
اغتيال العلماء النوويين: استراتيجية ممنهجة
في هجوم صهيوني بتاريخ 13 يونيو 2025، استهدف الكيان الصهيوني منشآت نووية إيرانية وعددًا من العلماء البارزين، ما أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 11 عالمًا نوويًا. ونشرت وكالة “رويترز” في 27 يونيو 2025 تفاصيل هذه الاغتيالات. من بين الضحايا البارزين:
فريدون عباسي دواني: عالم نووي بارز ورئيس سابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية (2011–2013). نجا من محاولة اغتيال في عام 2010، لكنه استشهد في هجوم 2025. لعب عباسي دورًا محوريًا في تطوير تكنولوجيا أجهزة الطرد المركزي، وأشارت صحيفة “نيويورك تايمز” في 3 يوليو 2025 إلى أن استهدافه كان بسبب مساهمته في تعزيز برنامج تخصيب اليورانيوم.
محمد مهدي طهرانجي: فيزيائي نظري ورئيس جامعة آزاد الإسلامية في طهران، وكان يعتبر خبيرًا رفيعًا في “برنامج عماد” الهادف إلى تطوير القدرات النووية. لعب دورًا مهمًا في الأبحاث النظرية في فيزياء الجسيمات، الضرورية لتقدم البرنامج النووي الإيراني.
عبد الحميد مينوشهر، أحمد رضا ذو الفقاري، أمير حسن فخاهي، أكبر مطلوب زاده، علي بهوي كتيريمي، منصور عسكري، وسعيد برجي: علماء متخصصون في الفيزياء والهندسة النووية وهندسة المواد، وكان لهم دور فعّال في تطوير البرنامج النووي. فمثلًا، عمل مينوشهر في تصميم المفاعلات البحثية، بينما تخصص ذو الفقاري في تكنولوجيا الليزر لتخصيب اليورانيوم.
ذكرت شبكة “الجزيرة” في 13 يونيو 2025 أن الكيان الصهيوني سبق وأن اغتال خمسة علماء نوويين إيرانيين بين عامي 2010 و2020 عبر تفجيرات أو هجمات مسلحة، مثل اغتيال مجيد شهرياري عام 2010 باستخدام قنبلة مغناطيسية، بناءً على معلومات حصل عليها الكيان عبر تجسس الوكالة.
وأظهر تقرير لوكالة “أسوشيتد برس” بتاريخ 25 يونيو 2025 أن الكيان الصهيوني اغتال ما لا يقل عن 14 عالمًا ضمن هجمات 2025، في محاولة لإضعاف القدرات النووية الإيرانية. وأشارت صحيفة “الغارديان” في 15 يونيو 2025 إلى أن هذه الاغتيالات كانت جزءًا من استراتيجية “قطع الرأس” التي تهدف إلى القضاء على العقول المدبرة للبرنامج النووي الإيراني. ومع ذلك، حذّر مارك فيتزباتريك، الخبير في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن، من أن هذه الاغتيالات قد تُبطئ البرنامج النووي الإيراني، لكنها لن توقفه بسبب وجود جيل جديد من العلماء، مثل علي أكبر صالحي، الذين ما زالوا نشطين.
وذكر تقرير “ذا كريدل” حالة محسن فخري زاده، العالم النووي البارز الذي اغتيل في نوفمبر 2020. وكشفت وثائق مسربة أن معلومات دقيقة حول تحركاته، مثل الطرق اليومية وأماكن الإقامة، جُمعت عبر نظام “موزاييك” وتم تمريرها للكيان الصهيوني. وقد تكرّر هذا النمط في اغتيالات 2025، حيث استُخدمت بيانات “موزاييك” لتحديد مواقع العلماء، مثلما حصل مع عباسي دواني الذي تم رصده في مجمع بحثي بطهران عبر تحليل بيانات الأقمار الصناعية وشبكات التواصل الاجتماعي.
الهجمات الأخيرة: تصعيد غير مسبوق
بدأت الهجمات الصهيونية في 13 يونيو 2025 بمشاركة أكثر من 200 طائرة مقاتلة واستهدفت أكثر من 100 موقع في إيران، بما في ذلك منشآت نطنز وفردو وأصفهان النووية. وقد شرحت “الغارديان” في 15 يونيو 2025 تفاصيل هذه الهجمات:
- منشأة نطنز: المركز الأساسي لتخصيب اليورانيوم. تم تدمير الجزء الأرضي من مصنع التخصيب التجريبي وتضررت محطة الكهرباء، ما أدى إلى تعطيل أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض. وأكدت “رويترز” في 14 يونيو 2025 أن الهجوم دمّر أكثر من 60٪ من قدرة نطنز على التخصيب.
- منشأة فردو: الواقعة تحت الجبال والمصممة لتحمل القصف. أكدت “رويترز” وقوع انفجارين بالقرب من الموقع، بينما أسقطت الدفاعات الجوية الإيرانية طائرة مسيّرة صهيونية. ورغم أن الهجوم لم يكن فعالًا بسبب التصميم المحصّن، إلا أن البنية التحتية المحيطة تكبّدت أضرارًا كبيرة.
- منشأة أصفهان: التي تضم مرافق لتحويل اليورانيوم وإنتاج الوقود، تعرضت لثلاث هجمات؛ اثنتان من الكيان الصهيوني وواحدة من الولايات المتحدة. وذكرت “نيويورك تايمز” في 13 يونيو 2025 أن الهدف كان تدمير سلسلة إمداد الوقود النووي الإيراني.
وأوضح تقرير “هآرتس” في 16 يونيو 2025 أن الكيان استخدم صواريخ موجهة بدقة وطائرات مسيّرة متطورة، اعتمدت على بيانات نظام “موزاييك”. كما استهدفت هذه الهجمات قادة عسكريين كبار مثل حسين سلامي، قائد الحرس الثوري، ومحمد باقري، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة. وهدفت استراتيجية “قطع الرأس” إلى إضعاف إيران عسكريًا وعلميًا.
رافائيل غروسي: الحياد المشكوك فيه
كشفت وثائق سرية نشرتها إيران في 12 يونيو 2025 عن تواصل سري بين رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومسؤولين صهاينة، تضمنت تبادل معلومات حساسة عن منشآت إيران النووية. وأشار تقرير “ذا كريدل” إلى أن غروسي، بدلًا من الحفاظ على حياد الوكالة، شارك مخرجات نظام “موزاييك” مع الكيان الصهيوني، مما ساعد في استهداف العلماء والمنشآت. فعلى سبيل المثال، تم تسريب معلومات حول موقع بارشين الذي ادعت الوكالة وجود أنشطة مشبوهة فيه، وتم استغلالها في التخطيط لهجمات 2025.
وأفادت “تايمز أوف إسرائيل” بأن غروسي صرّح في 9 يونيو 2025 أن الوكالة تراقب موقع سورِك، لكنه امتنع عن التعليق على الوثائق المسرّبة، مما زاد من الشكوك حول حياده. ووفق “واشنطن بوست” في 20 يونيو 2025، نقلًا عن دبلوماسي غربي رفض كشف هويته، فإن غروسي يتعرض لضغوط من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لتقديم تقارير منحازة ضد إيران.
رد إيران: مواجهة الخيانة
ردًّا على هذه الانتهاكات، اتخذت إيران إجراءات حازمة في يونيو 2025، حيث أوقف البرلمان الإيراني التعاون مع الوكالة الدولية وأمر بإزالة الكاميرات الرقابية من المنشآت النووية. وصرّح وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أن طلب غروسي لزيارة المواقع التي تم قصفها هو “ذو نوايا سيئة”، مؤكدًا أن إيران لن تسمح بمزيد من انتهاك سيادتها. وأكدت “رويترز” في 18 يونيو 2025 أن إيران طردت آخر مفتشي الوكالة من أراضيها.
كما أعلنت إيران عن رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60٪، كرد مباشر على الهجمات والضغوط الدولية.
مؤامرة دولية: إيران ضحية لا معتدية
تؤكد إيران، التي تدافع عن حقها في امتلاك برنامج نووي سلمي، أنها ضحية مؤامرة دولية تضم الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، مستغلين الوكالة كغطاء لجمع معلومات استخباراتية. وكشفت الوثائق أن نظام “موزاييك”، المدعوم أمريكيًا وصهيونيًا، لم يكن أداة للتحقق، بل سلاحًا استخدم لاستهداف العلماء وزعزعة استقرار البلاد. فعلى سبيل المثال، أدت العقوبات التي فُرضت بعد تقرير الوكالة في 31 مايو 2025 إلى خفض صادرات النفط الإيراني بنسبة 30٪، مما أثر بشكل كبير على الاقتصاد.
دعوة للمحاسبة
تطالب إيران بمحاسبة رافائيل غروسي والوكالة الدولية للطاقة الذرية على تعاونهم مع الكيان الصهيوني. وتُعد الوثائق المسرّبة دعوة للمجتمع الدولي لإعادة النظر في دور الوكالة وحماية السيادة الوطنية من النظم التكنولوجية المستخدمة في التجسس. وتؤكد إيران، بدعم من شعبها وقيادتها، استمرارها في الدفاع عن حقوقها وسيادتها، متمسكة بالعدالة والكرامة الوطنية.