جعجع وعقدة سلاح المقاومة… هاجس قديم بثوب جديد!

حوراء المصري:
في هذه اللحظة المفصلية التي يعيشها لبنان، يعود سمير جعجع إلى الواجهة، مكرراً نغمة المطالبة بسحب سلاح حزب الله. تبدو هذه المطالبة بالنسبة له هاجساً لا ينفك يطارده، وكأن الذاكرة قد مُسحت من عقول الناس. لكن ذاكرة اللبنانيين، وخاصة أبناء البيئة المقاومة، ما زالت تحتفظ جيداً بصور المذابح وأسماء الضحايا، وتعرف تماماً من كان وراءها.
تأريخ جعجع ليس صفحة بيضاء. فقد طال استهدافه قوى وشخصيات من مختلف المكوّنات، وامتدت ممارساته إلى اغتيال شخصيات وطنية بارزة. وثائق “ويكيليكس” التي ظهرت عام 2011 تكشف جانباً من المشهد: خلال حرب تموز 2006، جلس جعجع مع السفير الأميركي جيفري فيلتمان، مؤيداً فكرة تفكيك حزب الله، ومقترحاً تحويله إلى مشكلة داخلية تهدد أمن اللبنانيين. هذا الاقتراح يكشف بوضوح تحالف جعجع مع قوى خارجية تسعى إلى إضعاف المقاومة، ويبرز موقفه الرافض لأي توازن قوة يحقق الأمن الوطني الحقيقي
السلاح في لبنان… ليس حكراً على أحد
السلاح ليس غريباً عن المجتمع اللبناني. في بعض مناطقه، هو جزء من نسيج العادات العشائرية، بينما لدى الأحزاب المختلفة أشكال متعددة من التسليح. لكن ما يثير حساسية بعض القوى ليس السلاح العادي، بل السلاح الاستراتيجي الذي تمتلكه المقاومة: الصواريخ، القدرات التقنية، وخبرة القتال التي تردع العدو الإسرائيلي.
حتى لو افترضنا – جدلاً – أن المقاومة سلّمت سلاحها، فالمعادلة الأمنية ستتغيّر، وليس بالضرورة لصالح الدولة أو الاستقرار. الساحة ستُفتح أمام قوى أخرى، وربما مشاريع خارجية، لن تتوانى عن استغلال الفراغ لضرب ما تبقى من عناصر القوة اللبنانية.
مطلب خطير بثوب أنيق
التفكير في خطوة كهذه يكشف سذاجة من يقدّمونها. لن يتنازل حزب الله عن عنصر قوته في ظرف كهذا، ولن يرضى أنصاره بمثل هذا الانكفاء، لأنهم يعلمون جيداً أن التنازل يعني تسليم رقابهم وحياتهم لمخاطر حقيقية.
“بدك سلاح؟ خُذ هريسة”
و مع دخول حديث سحب السلاح على خط النقاش العام، تداول المؤيّدون نكتة شعبية ساخرة في الشارع اللبناني: “بدك سلاح؟ خُد هريسة” أو “ما في سلاح في الهريسة”. هذه السخرية تعبّر عن رفض شعبي قاطع لفكرة تسليم السلاح، وإيمان بأن مثل هذا المطلب يعد خيانة لدماء الشهداء الذين قدموا حياتهم فداءً للوطن.
وفي هذا الواقع، فإن مشروع نزع سلاح حزب الله، في جوهره، وإن كان يبدو استهدافاً لبيئة المقاومة وحدها، لكنه في الحقيقة استهداف للبنان كله. فالتجربة أثبتت أن قوة الردع التي تمثلها المقاومة هي الحاجز الأخير أمام انهيار الدولة وابتلاع الأرض. وهذا ما عبّر عنه الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، حين أكد أن المطلوب من العالم هو الضغط لوقف العدوان الإسرائيلي، لا الضغط على المقاومة للتخلي عن سلاحها في ظل استمرار التهديدات. موقفه هذا يعكس معادلة واضحة: من يطالب بنزع السلاح في زمن العدوان، إنما يفتح الباب أمام مشروع تصفية لبنان قبل تصفية المقاومة.
وعلى أية حال يمكن القول إن النقاش حول سلاح المقاومة يحتاج إلى طاولة حوار وطنية حقيقية، لا منصات إعلامية تستخدم لتصفية حسابات أو تمرير أجندات خارجية. من يرفع شعار “سحب السلاح” اليوم، دون أن يقدّم بديلاً يضمن الأمن والسيادة، إنما يدعو عملياً إلى تفكيك آخر خطوط الدفاع في وجه الكيان الصهيوني والمشاريع المعادية للبنان.